8 - قال جمهور الفقهاء: فقد يكون فرضاً كما نقل ابن عابدين عن الشّهاب الخفاجيّ قال: معرفة شعر أهل الجاهليّة والمخضرمين - وهم من أدرك الجاهليّة والإسلام - والإسلاميّين روايةً ودرايةً فرض كفاية عند فقهاء الإسلام، لأنّ به تثبت قواعد العربيّة الّتي بها يعلم الكتاب والسّنّة المتوقّف على معرفتهما الأحكام الّتي يتميّز بها الحلال من الحرام، وكلامهم وإن جاز فيه الخطأ في المعاني فلا يجوز فيه الخطأ في الألفاظ وتركيب المباني.
9 - وقد يكون مندوباً، وذلك إذا تضمّن ذكر اللّه تعالى أو حمده أو الثّناء عليه، أو ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم أو الصّلاة عليه أو مدحه أو الذّبّ عنه، أو ذكر أصحابه أو مدحهم، أو ذكر المتّقين وصفاتهم وأعمالهم، أو كان في الوعظ والحكم أو التّحذير من المعاصي أو الحثّ على الطّاعات ومكارم الأخلاق.
10 - وقد يكون الشّعر حراماً إذا كان في لفظه ما لا يحلّ كوصف الخمر المهيّج لها، أو هجاء مسلم أو ذمّيّ، أو مجاوزة الحدّ والكذب في الشّعر، بحيث لا يمكن حمله على المبالغة، أو التّشبيب بمعيّن من أمرد أو امرأة غير حليلة، أو كان ممّا يقال على الملاهي.
11 - وقد يكون الشّعر مكروهاً وللمذاهب في ذلك تفصيل:
فعند الحنفيّة أنّ المكروه من الشّعر ما داوم عليه الشّخص وجعله صناعةً له حتّى غلب عليه وشغله عن ذكر اللّه تعالى وعن العلوم الشّرعيّة، وما كان من الشّعر في وصف الخدود والقدود والشّعور، وكذلك تكره قراءة ما كان فيه ذكر الفسق والخمر.
وقال المالكيّة: يكره الإكثار من الشّعر غير المحتاج إليه لقلّة سلامة فاعله من التّجاوز في الكلام لأنّ غالبه مشتمل على مبالغات، روى ابن القاسم عن مالك أنّه سئل عن إنشاد الشّعر فقال: لا تكثرنّ منه فمن عيبه أنّ اللّه تعالى يقول: «وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ».
قال: ولقد بلغني أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعريّ أن اجمع الشّعراء قبلك، وسلهم عن الشّعر، وهل بقي معهم معرفة، وأحضر لبيداً ذلك، فجمعهم فسألهم، فقالوا: إنّا لنعرفه ونقوله، وسأل لبيداً فقال: ما قلت بيت شعر منذ سمعت اللّه عزّ وجلّ يقول: «الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ».
وقال ابن العربيّ: من المذموم في الشّعر التّكلّم من الباطل بما لم يفعله المرء رغبةً في تسلية النّفس وتحسين القول.
وقال الشّافعيّة: يكره أن يشبّب من حليلته بما حقّه الإخفاء، وذلك ما لم تتأذّ بإظهاره وإلاّ حرم. وقال الحنابلة: يكره من الشّعر الهجاء والشّعر الرّقيق الّذي يشبّب بالنّساء.
12 - وقد يكون الشّعر مباحاً وهو الأصل في الشّعر. ونصوص فقهاء المذاهب في ذلك الحكم متقاربة:
قال الحنفيّة: اليسير من الشّعر لا بأس به إذا قصد به إظهار النّكات والتّشابيه الفائقة والمعاني الرّائقة، وما كان من الشّعر في ذكر الأطلال والأزمان والأمم فمباح.
وقال المالكيّة: يباح إنشاد الشّعر وإنشاؤه ما لم يكثر منه فيكره، إلاّ في الأشعار الّتي يحتاج إليها في الاستدلال.
وقال الشّافعيّة: يباح إنشاء الشّعر وإنشاده واستماعه ما لم يتضمّن ما يمنعه أو يقتضيه اتّباعاً للسّلف والخلف، ولأنّه صلى الله عليه وسلم كان له شعراء يصغي إليهم كحسّان بن ثابت وعبد اللّه بن رواحة وكعب بن مالك رضي الله تعالى عنهم، ولأنّه صلى الله عليه وسلم استنشد من شعر أميّة ابن أبي الصّلت مائة بيت، أي لأنّ أكثر شعره حِكَم وأمثال وتذكير بالبعث ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «كاد أن يسلم» ولقوله صلى الله عليه وسلم: «إنّ من الشّعر حكمةً». وقال ابن قدامة: ليس في إباحة الشّعر خلاف، وقد قاله الصّحابة والعلماء، والحاجة تدعو إليه.
«ثانياً: تعلّم الشّعر»
- ذهب الفقهاء إلى أنّ تعلّم الشّعر مباح إن لم يكن فيه سخف أو حثّ على شرّ أو ما يدعو إلى حظره.
وتعلّم بعض الشّعر يكون فرض كفاية عند الحنفيّة كما نقل ابن عابدين عن الشّهاب الخفاجيّ. وقال المالكيّة: لا نزاع في جواز تعلّم الأشعار الّتي يذكرها المصنّفون للاستدلال بها.
ونصّ الحنابلة على أنّه يصحّ استئجار لتعليم نحو شعر مباح ويجوز أخذ الأجر عليه.
«ثالثاً: منع النّبيّ صلى الله عليه وسلم من الشّعر»
¥