جاريةٌ تَبُذّ كبارَ الشعراء
ـ[محمد سعد]ــــــــ[12 - 06 - 2008, 11:46 م]ـ
وصفت لعبد الملك بن مروان جارية لرجل من الأنصار ذات أدب وجمال، فساومه في ابتياعها، فامتنع وامتنعت، وقالت: لا أحتاجُ للخلافة ولا أرغبُ في الخليفة، والذي أنا في ملكه أحبُّ إليّ من الأرض ومَنْ فيها. فبلغ ذلك عبد الملك فأغراه بها؛ فأَضعف الثمن لصاحبها وأَخذها قَسْراً، فما أعجب بشيء إعجابه بها، فلمّا وصلت إليه، وصارت في يديه، أمرها بلزوم مجْلِسه، والقيامِ على رأسه؛ فبينما هي عنده، ومعه ابْنَاهُ الوليد وسليمان، قد أَخلاهما للمذاكرة، فأقبل عليهما فقال: أيُّ بيت قالته العرب أمدح؟ فقال الوليد: قول جرير فيك: الوافر:
أَلسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطايا =وأَندَى العالمينَ بُطُونَ راحِ؟
وقال سليمان: بل قول الأخطل: البسيط:
شُمْسُ العَداوةِ حتى يُستقادَ لهمْ= وأَعظمُ الناسِ أحلاماً إذا قَدَرُوا
فقالت الجارية: بل أمدح بيت قالته العرب قول حسان بن ثابت: الكامل:
يُغْشَوْنَ حتى ما تَهِرَّ كلابُهُمْ = لا يَسْألون عن السَّوادِ المُقْبِلِ
فأطرق، ثم قال: أي بيت قالته العرب أرق؟ فقال الوليد: قولُ جرير: البسيط:
إنّ العيونَ التي في طَرْفِها حَوَرٌ = قَتلْنَنَا ثم لم يُحْيينَ قَتْلاَنا
فقال سليمان: بل قولُ عمر بن أبي ربيعة: الخفيف:
حَبَذَا رَجْعُها يَدَيْهَا إليها =من يَدَيْ دِرْعها تَحُلُّ الإزَارا
فقالت الجارية: بل بيت يقوله حسان: الخفيف:
لو يَدب الحولي من ولد الذ =رّ عليها لأنْدَبَتْها الكُلومُ
فأطرق، ثم قال: أي بيت قالته العرب أشجع؟ فقال الوليد: قول عنترة: الكامل:
إذْ يَتَّقونَ بيَ الأَسِنَةَ لم أَخِمْ =عنها، ولو أنِّي تَضَايَقَ مَقْدَمي
فقال سليمان: بل قوله الكامل:
وأنا المنيَّةُ في المواطن كلِّها = فالموتُ مني سابق الآجالِ
فقالت الجارية: بل بيت يقوله كعب بن مالك: الكامل:
نَصِلُ السيوف إذا قَصُرْنَ بِخَطْوِنا = قُدُماً ونلحقها إذا لم تلحقِ
فقال عبد الملك: أحسنْت، وما نرى شيئاً في الإحسان إليك أبْلَغ من رَدِّك إلى أهلك. فأجمل كسْوَتها، وأحسن صِلَتَها، وردها إلى أهلها.