[الأثر السلبي للشعر الجاهلي على اللغة]
ـ[سامي الفقيه الزهراني]ــــــــ[30 - 05 - 2008, 07:39 م]ـ
هذا المقال نشرته صحيفة الجزيرة اليوم الجمعة25/ 5 /1425هـ
وهو بعنوان:
[الأثر السلبي للشعر الجاهلي على اللغة]
للكاتب: أحمد بن عبدالعزيز المهوس
أرجو من القراء الكرام التعليق عليه ..
شعر الأمة العربية لا يدانيه أي شعر من أشعار الأمم الأخرى، حيث كانت بلا فنون غيره، فهو شعر صعب، حصره الجاهليون في أمرين: الوزن والقافية. وكان مرادهم من هذا الحصر أن يكون الكلام سهل الحفظ، وله قافية ينتظرها السامع عند نهاية البيت متشوقًا، فكان الشاعر العربي يحرص على ذين الأمرين حين كانت القبائل تحتفل ببروز شاعر فيها، فكان اللسان موازيًا للسيف، وتذكيهما العصبية القبلية.
لم يكن العرب إلا بدوًا رحّلاً على الأغلب، فكانوا لا يحملون معهم إلا ما خف وزنه، لذلك نجد ظاهرة الوثنية وانتقالها إلى مكة جديدة على ساكن الصحراء، حيث إنه لا يستطيع أن يحمل صنمه الكبير كما صنم هبل معه كلما ارتحل، فكانت قريش تركز على أمرين: قدسية دينية حيث الكعبة والأوثان، والاهتمام بالشعر، فتأمن على تجارتها من قطاع الطرق ذات الشتاء والصيف.
ليس بالمجهول حرص النبي - عليه الصلاة والسلام - على أن يقضي على الأصنام بإزاء الشعر، فقد حطمها يوم فتح مكة، وقتل الشعراء المناوئين قبل الفتح وبعده من مثل: أبي خطل وهو متعلق بأستار الكعبة، وعبد الله بن أبي الحقيق اليهودي، وكعب الأشراف ....
إن الشعر الجاهلي يهتم في المقام الأول بالألفاظ تبعًا للوزن والقافية، فكان حظ المعاني فيه قليلاً؛ ذلك لأن الشاعر الجاهلي يريد كلمة ترن في الأذن، فيطير بها الرواة، ولا يهمه بعد ذلك جودة البيت، وإنما يركز على الكلمة الواحدة في البيت كله، ثم يبدأ بتحري القافية، فلو ترجمنا أغلب شعرنا العربي إلى النثر لحصلنا على ما نكاد نلفظه لفظ النواة! لقد تنبأ زهير بن أبي سلمى إلى ذلك في زمنه حين قال يصف المعاني: ما أرانا نقول إلا معاراً أو معادًا من قولنا مكروراً .. كان الشاعر الجاهلي في لغته ميوعًا، حيث يأتي بها كيفما اتفق له الوزن والقافية، فجاء اللغويون والنحاة فحصرونا في قواعدهم، فهم جمدوا اللغة، وأفقدوها التوليد والاشتقاق لدى المتأخرين، يروى عن الفرزدق أنه قال يرد على من عاب عليه مخالفته للغة: (علينا أن نقول، وعليكم أن تتأولوا).
مشكلة النحو العربي أنه جمع بين منطق أرسطو وبين الشعر العربي، فكانت البصرة أول من اهتم بالنحو، وكانت تعج بالمناطقة، فالخليل بن أحمد الفراهيدي أستاذ سيبويه كان صديقًا لابن المقفع الذي ترجم المنطق في البصرة، فكان أن تأثر سيبويه من تأثر الخليل بصديقه، فنشأ النحو قيّاسًا بالدرجة الأولى، حيث توضع القواعد، ثم يبحث لها عن شواهد! وبهذا يشبه إلى حد بعيد ما كان من وضع اللحن المغنّى أولاً، ثم يطلب من الشاعر وضع الأبيات المناسبة! كان النحاة لا يقبلون من الأعرابي إذا خالف قواعدهم، أما آيات القرآن المخالفة فهم يؤولونها ويعللونها بما يشاؤون، فكان أن بدأ النحو متعسفًا، ولم ينظر إلى لغة القرآن التي راعت لغة القبائل التي نزلت بتسعة أحرف، بل إننا نجد أن علم النحو أصبح له سوقًا رائجة لمن يريد أن يتقرب من الخلفاء ويحظى بالجوائز، كما فعل الكسائي وغيره حين أخفق سيبويه في تقربه في المناظرة الشهيرة.
جاء ابن مالك متأخرًا عن سيبويه بقرون، فوضع ألفيته الشهيرة، فلم يكن للنحوي حين يخالفه أحد سوى أن يأتي ببيت لابن مالك فيفحم بها خصمه، وكأنه آية قرآنية لا تقبل التأويل كما كانوا يؤولون من قبل. لقد جنى الشعر الجاهلي على اللغة العربية حين كان كتاب سيبويه فيه أكثر من ألف شاهد نحوي من الشعر، ولم يتنبه سيبويه ومن كان معه من النحاة من أن لغة الشعر تختلف عن الحديث الدارج، فألزموا النحو بلغة الشعر التي هي مناقضة للغة النثر.
لقد جمّد النحو العربي لغة العرب، وأنزلها منزلة القوالب التي لا يحق للمتأخرين استبدالها، فكان أن وقفت اللغة، بل رأينا من يتهم الشعر بأنه منحول أكثره لاختلافه عن أسلوب القرآن، كما فعل طه حسين، ولو أنصف لعلم أن القرآن كتاب تعاليم دينية، وليس فني كما الشعر، فلا يُعنى بالمظاهر الاجتماعية كما الشعر. لقد آن للعرب أن يتحرروا من سطوة الشعر الجاهلي ونحوهم، فإن اللغة طيعة متطورة، فالشاعر المحتذي للشعر الجاهلي يجمد ولا يتقدم، والنحو جاء عن طريق المنطق قيّاسًا، فمن المعلوم من أن العرب تنطق بكلام ساكن الأواخر، مفهوم المعنى، وليس كما النحو حين يهتم بتركيب الجملة وأواخرها ولو لم تكن ذات مفهوم سريع.
ahmad-37-@hotmail com
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[30 - 05 - 2008, 09:08 م]ـ
أشكرك أخي سامي الفقيه الزهراني.
فعلا، هذا مقال يستحق النقاش؛ فقد جلبت لنا اليوم مقالا ساخنا.
سأعود بعد أن أثقف رمحي، وأشحذ سيفي.
وإنه - وقبل كل شيء - يسوؤني أن يتعرض شخص - مهما كان علمه - للعلماء القدماء الذي لم تغمض عيونهم، ولم يهدأ لهم بال حتى حفظوا الآلاف، وأمعنوا النظر ودققوا سنين عددا، فكانوا يتحرجون من كلمة أو إشارة نحن اليوم من أسهل الأمور نطلقها عفوًا رهوًا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
¥