[أرجو من الأساتذة تقديم رأيهم في هذه الدراسة لبضعة أبيات من إحدى قصائد زهير جزاكم الله]
ـ[ابنُ الربيعِ الحلبيّ]ــــــــ[04 - 06 - 2008, 11:19 م]ـ
قال زهير بن أبي سلمى:
إنّ الخليطَ أجدَّ البينَ، فانفرقا وَعُلّقَ القلبُ مِنْ أسماءَ ما عَلِقَا
وفارَقَتْكَ برَهْنٍ لا فَكاكَ لَهُ يوْمَ الوداعِ فأمسَى رهنُها قد غَلِقَا
وأخلفتكَ ابنة ُ البكريِّ ما وعدتْ فأصْبَحَ الحَبْلُ مِنْها واهِناً خَلَقَا
قامت تبدَّى بذي ضالِ لتحزنني ولا محالةَ أنْ يشتاقَ من عشقا
بِجِيدِ مُغْزِلَةٍ أدْماءَ خاذِلَةٍ من الظباءِ، تراعِي شادناً، خرِقا
كأنّ رِيقَتَها بعدَ الكرَى اغتُبِقَتْ مِنْ طَيّبِ الرّاحِ لمّا يَعْدُ أن عَتُقَا
شجّ السقاةُ على ناجودها شبمًا من ماء لينة لا طرقًا و لا رنقا
كَأنّ عَيْنيّ في غَرْبَيْ مُقَتَّلَةٍ منَ النّوَاضِحِ تسقي جَنّةً سُحُقَا
لها أداة ٌ، وأعوانٌ، غدونَ لها: قتبٌ، وغربٌ، إذا ما أفرغَ انسحقا
وقابلٌ، يتغنَّى، كلَّما قدرتْ على العراقي يداهُ، قائماً، دفقا
فعدّ عمّا ترى إذ فات مطلبه أمسى بذاك غراب البين قد نعقا
المفردات:
الخليط: المخالط في الدار. أجدّ: من الجِدّ. انفرق: انقطع. غلق: لا فكاك له , لا يقدر أنْ يفكّه. الرهن: ههنا القلب. الحبل: العهد. الواهي: الضعيف. تبدّى: تظهر. بذي ضالٍ: موضع فيه الضال وهو السدر البرّيّ. بجيد: الباء صلةٌ لـ (تبدّى). الجيد: العنق. الشادن: الذي اشتدّ لحمه. أدماء: خالصة البياض. الخاذلة: المتأخرة عن الظباء. الخرق: الذي لا يقدر أن يتحرّك لضعفه و صغره. اغتبقت: شربت على ريقها غبوقًا. لمّا يعدُ أن عتقا: لم يتجاوز أن يصير عتيقًا , أي لم يتجاوز العتق بفساد , و روق كلّ شيء أوّله. الغرْبَانِ: الدلوان الضخمان. المقتّلة: المذلّلة يعني الناقة (يقول: كأنّ عيني من كثرة دموعها غربَي ناقة يُنْضَحُ , قد قُتّلت بالعمل حتّى ذلّتْ). لها أداة: يعني الناقة. غدونَ: مؤنّث و إنْ كان للأعوان. القتب: الأحمال. انسحقا: انصبّ ما فيه. الغرب: الدلو. القابل: الذي يقبل الدلو. العراقي: الخشبتان كالصليب على الدلو. دفق الماء: صبّه في الحوض. عدِّ: اصرف هواك و تذكّرك عنه إذ فات لأنّهم صاروا إلى محاضرهم و لا سبيل إلى زيارتهم.
بسم الله الرحمن الرحيم
لا بدّ من الإشارة أولاً إلى مكانة زهير بن أبي سلمى اللغويّة بشكلٍ عامٍّ و إلى حكمته التي بها رأى الحياة؛ فزهير من أكابر أهل المدرسة الأوسيّة وهي المدرسة الأشهر في الاهتمام بتنقيح الشعر. و لا أريد أن أطيل النَّفَس في هذه الجزئيّة لأنّ مرادي منها أنّ شعر زهير و أقرانه جديرٌ أن يوقف على كلّ جزءٍ منه باهتمام يوازي اهتمام الشاعر الذي اجتهد و اجتهد لينتج لنا هذه الأبيات الرائعة.
ثمّ لا بدّ من الإشارة إلى السبب الذي من أجله يبدأ الشعراء قصائدهم و أشعارهم بالغزل قال ابن قتيبة: سمعت بعضَ أهل الأدب يذكر أن مقصد القصيدة إنما ابتدأ بوصف الديار والدِّمَنِ والآثار؛ فبكى وشكا، وخاطَبَ الربع، واستوقف الرفيق؛ ليجعلَ ذلك سبباً لذكْر أهله الظاعنين، إذ كانت نازلةُ العمد في الحلول والظعن على خلاف ما عليه نازلة، المَدَرِ؛ لانتقالهم من ماء إلى ماء، وانتجاعهم الكَلأ، وتتبُّعهم مساقِطَ الغيث حيثُ كان؛ ثم وصل ذلك بالنسيب، فبكى شدَة الوجد، وألم الصبابة والشوق؛ ليُمِيلَ نحوه القلوب، ويَصْرِف إليه الوجوه، ويستدعي إصغاءَ الأسماع، لأن النسيب قريبٌ من النفوس، لائط بالقلوب، لما جعل الله تعالى في تركيب العباد من محبَّةِ الغزل، وإلف النساء، فليس أحدٌ يخلو من أن يكونَ متعلّقاً منه بسبب، وضارباً فيه بسهم، حلال أو حرام. فإذا استوثق من الإصغاء إليه، والاستماع له، عَقَّب بإيجاب الحقوق؛ فرحل في شعره، وشكا النَصَبَ والسهر، وسُرَى الليل وحر الهجير، وإنضاء الراحلة والبعير، فإذا علم أنه قد أوجب على صاحبه حقّ الرجاء وذِمام التأميل، وقرّر عنده ما ناله من المكارِه في المسير، بدأ في المديح فبعثه على المكافأة، وفَضَّله على الأشباه، وصغّر في قدره الجزيلَ، وهزّه لفعل الجميل؛ فالشاعر المجيد من سلك هذه الأساليب، وعدل بين هذه الأقسام، فلم يجعل واحداً أغلب على الشعر، ولم يطل فيُمِلّ
¥