[حسن الثناء واصطناع المعروف.]
ـ[عز الدين القسام]ــــــــ[02 - 07 - 2008, 11:07 م]ـ
حسن الثناء واصطناع المعروف
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أردتم أن تعلموا ما للعبد عند ربه، فانظروا ما يتبعه من حسن الثناء.
وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري: اعتبر منزلتك من الله بمنزلتك من الناس، واعلم أن مالك عند الله مثل ما للناس عندك.
وقيل لبعض الحكماء: ما أفادك الدهر؟ قال العلم به. قيل: فما أحمد الأشياء؟ قال: أن تبقى للإنسان أحدوثة حسنة.
وقال بعض أهل التفسير في قول الله تعالى: " واجعل لي لسان صدق في الآخرين ". إنه أراد حسن الثناء من بعده.
وقال أكثم بن صيفي: إنما أنتم أخبار، فطيبوا أخباركم. أخذ هذا المعنى حبيب الطائي فقال:
وما ابن آدم إلا ذكر صالحة = أو ذكر سيئة يسري بها الكلم
أما سمعت بدهر باد أمته=جاءت بأخبارها من بعدها أمم
وقال أبو بكر محمد بن دريد:
وإنما المرء حديث بعده = فكن حديثاً حسناً لمن وعى
وقالوا: الأيام مزارع فما زرعت فيها حصدته.
ومن قولنا في هذا المعنى وغيره من مكارم الأخلاق:
يا من تجلد للزما=ن أما زمانك منك أجلد
سلط نهاك على هوا=ك وعد يومك ليس من غد
إن الحياة مزارع=فازرع بها ما شئت تحصد
والناس لا يبقى سوى=آثارهم والعين تفقد
أو ما سمعت بمن مضى = هذا يذم وذاك يحمد
والمال إن أصلحته = يصلح وإن أفسدت يفسد
والعلم ما وعت الصدو = ر وليس ما في الكتب يخلد
وقال الأحنف بن قيس: ما أدخرت الآباء للأبناء، ولا أبقت الموتى للأحياء، شيئاً أفضل من اصطناع المعروف عند ذوي الأحساب والآداب. وقالوا: تربيب المعروف أولى من اصطناعه، لأن اصطناعه نافلة، وتربيبه فريضة.
وقالوا: أحي معروفك بإماتة ذكره، وعظمه بالتصغير له. وقالت الحكماء: من تمام كرم النعم التغافل عن حجته، والإقرار بالفضيلة لشاكر نعمته. وقالوا: للمعروف خصال ثلاث: تعجيله وستره وتيسيره، فمن أخل بواحدة منها فقد بخس المعروف حقه، وسقط عنه الشكر. وقيل لمعاوية: أي الناس أحب إليك؟ فقال: من كانت له عندي يد صالحة. قيل: فإن لم تكن له؟ فقال: فمن كانت لي عنده يد صالحة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من عظمت نعمة الله عنده عظمت مؤونة الناس عليه، فإن لم يقم بتلك المؤونة عرض النعمة للزاول. أبو اليقظان قال: أخذ عبيد الله بن زياد عروة بن أدية، أخا أبي بلال، وقطع يده ورجله وصلبه على باب داره. فقال لأهله وهو مصلوب: انظروا إلى هؤلاء الموكلين بي فأحسنوا إليهم فإنهم أضيافكم.
ابن المبارك عن حميد عن الحسن قال: لأن أقضي حاجة لأخ لي أحب إلي من عبادة سنة.
وقال إبراهيم بن السندي: قلت لرجل من أهل الكوفة، من وجوه أهلها، كان لا يجف لبده، ولا يستريح قلبه، ولا تسكن حركته في طلب حوائج الرجال، وإدخال المرافق على الضعفاء، وكان رجلاً مفوهاً، فقلت له: أخبرني عن الحالة التي خففت عنك النصب، وهونت عليك التعب في القيام بحوائج الناس، ما هي؟ قال: قد والله سمعت تغريد الطير بالأسحار؛ في فروع الأشجار؛ وسمعت خفق أوتار العيدان، وترجيع أصوات القيان، فما طربت من صوت قط طربي من ثناء حسن بلسان حسن على رجل قد أحسن؛ ومن شكر حر لمنعم حر، ومن شفاعة محتسب لطالب شاكر. قال إبراهيم: فقلت له: لله أبوك! لقد حشيت كرماً.
.