[شروط النهضة عند مالك بن نبي]
ـ[عفاف صادق]ــــــــ[14 - 07 - 2008, 07:59 م]ـ
مالك بن نبي (1905 - 1973م) من أعلام الفكر الإسلامي العربي في القرن العشرين.
ولد في مدينة تبسة في الشرق الجزائري سنة 1905 م، في أسرة فقيرة بين مجتمع جزائري محافظ تخرج بعد سنوات الدراسة الأربع، في مدرسته التي اعتبرها "سجناً يعلّم فيه كتابة "صك زواج أو طلاق" وتخرج سنة 1925م.
سافر بعدها مع أحد أصدقائه إلى فرنسا حيث كانت له تجربة فاشلة فعاد مجددا إلى مسقط رأسه. وبعد العودة تبدأ تجارب جديدة في الاهتداء إلى عمل، كان أهمها، عمله في محكمة (آفلو) حيث وصل في (مارس 1927م)، احتك أثناء هذه الفترة بالفئات البسيطة من الشعب فبدأ عقله يتفتح على حالة بلاده.
ثم أعاد الكرة سنة 1930م و لكن هذه كانت رحلة علمية. حاول أولا الإلتحاق بمعهد الدراسات الشرقية، إلا أنه لم يكن يسمح للجزائريين أمثاله بمزاولة مثل هذه الدراسات. تركت هذه الممارسات تأثيرا في نفسه. فاضطّر للتعديل في أهدافه وغاياته، فالتحق بمدرسة (اللاسلكي) للتخرج كمساعد مهندس، ممّا يجعل موضوعه تقنياً خالصاً، بطابعه العلمي الصرف، على العكس من المجال القضائي والسياسي.
ثم انغمس في الدراسة، وفي الحياة الفكرية، كما تزوج فرنسية واختار الإقامة في فرنسا وشرع يؤلف، في قضايا العالم الإسلامي كله، فكان سنة 1946 كتابه "الظاهرة القرآنية" ثم "شروط النهضة" 1948 الذي طرح فيه مفهوم القابلية للاستعمار و"وجهة العالم الإسلامي" 1954،أما كتابه " مشكلة الأفكار في العالم الاسلامي" فيعتبر من أهم ماكتب بالعربية في القرن العشرين.
انتقل إلى القاهرة بعد إعلان الثورة المسلحة في الجزائر سنة 1954م وهناك حظي باحترام، فكتب "فكرة الإفريقية الآسيوية" 1956. وتشرع أعماله الجادة تتوالى، وبعد استقلال (الجزائر) عاد إلى الوطن، فعين مديراً للتعليم العالي الذي كان محصوراً في (جامعة الجزائر) المركزية، حتى استقال سنة 1967 متفرغاً للكتابة، بادئاً هذه المرحلة بكتابة مذكراته، بعنوان عام"مذكرات شاهد القرن".
[شروط النهضة عند مالك بن نبي]
لقد ظل العالم العربي خارج التاريخ دهراً طويلاً كأن لم يكن له هدف، فاستسلم المريض للمرض، وفقد شعوره بالألم حتى كأن المرض صار يؤلف جزءاً من كيانه.
وقبل ميلاد القرن العشرين سمع من يذكره بمرضه، ومن يحدثه عن العناية الإلهية التي استقرت على وسادته، فلم يلبث أن خرج من سباته العميق ولديه الشعور بالألم. وبهذه الصحوة الخافتة تبدأ بالنسبة للعالم الإسلامي والعربي حقبة تاريخية جديدة يطلق عليها: النهضة.
ولكن ما مدلول هذه الصحوة؟ إن من الواجب أن نضع نصب أعيننا (المرض) بالمصطلح الطبي لكي تكون لدينا عنه فكرة سليمة، فإن الحديث عن المرض أو الشعور به لا يعني بداهة (الدواء).
ونقطة الإنطلاق هي أن الخمسين عاماً الماضية تفسر لنا الحالة الراهنة التي يوجد فيها العالم العربي اليوم، والتي يمكن أن تفسر بطريقتين متعارضتين: فهي من ناحية: النتيجة الموفقة للجهود المبذولة طوال نصف قرن من الزمان من أجل النهضة.
وهي من ناحية أخرى: النتيجة الخائبة لتطور استمر خلال هذه الحقبة دون أن تشترك الآراء في تحديد أهدافه أو اتجاهاته.
ومن الممكن أن نفحص الآن سجلات هذه الحقبة، ففيها كثير من الوثائق والدراسات ومقالات الصحف والمؤتمرات التي تتصل بموضوع النهضة هذه الدراسات تعالج الاستعمار والجهل هنا، والفقر والبؤس هناك، وانعدام التنظيم واختلال الاقتصاد أو السياسة في مناسبة أخرى، ولكن ليس فيها تحليل منهجي للمرض، أعني دراسة مرضية للمجتمع العربي، دراسة لا تدع مجالاً للظن حول المرض الذي يتألم منه منذ قرون.
ففي الوثائق نجد أن كل مصلح قد وصف الوضع الراهن تبعاً لرأيه أو مزاجه أو مهنته. فرأى رجل سياسي كجمال الدين الأفغاني أن المشكلة سياسية تحل بوسائل سياسية، بينما قد رأى رجل دين كالشيخ محمد عبده أن المشكلة لا تحل إلا بإصلاح العقيدة والوعظ ... الخ ... على حين أن كل هذا التشخيص لا يتناول في الحقيقة المرض بل يتحدث عن أعراضه.
¥