تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[14 - 06 - 2008, 02:14 م]ـ

مقامة الحذر

يا أبا القاسم احزُر نفسَك إنْ تعلّقتْ ببعضِ أطرافِها جمرَه. أو أصابتهُ منَ الماءِ المغليّ قطرَه. هل تتمُّ عندَ صدمةِ ذلكَ لأنْ تقلّبَ فكراً في خَطَبٍ مهم. أو ترفعَ رأساً لحبيبٍ ملمْ. أو تلقي سمَعاً إلى ما تتهاوى إليه الأسماعْ. وتتقاذفُ نحوهُ القلوبُ والطبّاع. أم بها في تلكَ الوهلةِ ما يشغلها عن أن تنطِقَ في شأنٍ يعينها بحرْف. أو ترميَ إلى أحبِّ خلقِ اللّه إليها بطرفْ. كلا ولو كنتَ ممّنْ يعطفُ الأعنَةَ بإصبعْ. ويتبسَّطُ في مهابِّ الرياحِ الأربعْ لشغلكَ التألمُ عن كبرياءِ سلطانِك. ولأدرجَ تلكَ الأعنَةِ تحتَ مطاوي نسيانك. هذا وإنَّ الجمرَةَ والقطرَةَ كِلتاهما هَنَةٌ يسيره. ومدَّةُ إيلامِها ساعةٌ قصيرة. ثمَّ إنها على ذلكَ لتُنسيكَ جميعَ ما همّتُكَ إليه عائرة. وأفكارُكَ عليهِ دائرةْ. وتشخصُ بك عنِ المضجعِ الممهودْ. وتطلقُ حُبَوتَكَ في المحفلِ المشهودْ. فنارُ اللّه التي حسبُكَ ما سمعتَ من فظاعةِ وصفِها وهوْلْه. وكفاكَ فيها ما قالهُ الصادقُ المصدَّقُ في قولهْ. وأفظعُ ذلكَ كله أنَّ عذابها أبدٌ سرْمدٌ. ليسَ له منتهى ولا أمد. هلا جعلتَها ممثّلةً قداَّم ناظريكَ كأنكَ تشاهدُ عينَها. وكأنّه لا برزَخَ بينك وبينَها. إنْ كنتَ كما تزعُمُ بما نطَقَ به الوحيُ مؤمناً. وكما تدّعي بصحتهِ موقناً. فإنَّ أدنى ما يحتكمُ عليك تبصرُ تلكَ الحالْ. و تصورُ تلكَ الأهوالْ. ان تكونَ في جميعِ ساعاتِك إمّا لا على صفتكَ في الساعةِ التي آلمكَ فيها مسُّ الجمرةِ التي خطبُها هيّن. وآذتكَ إصابةُ القطرةِ التي مقدارُ أذاها بيّنْ. قلقاً متأوِّهاً. نزِقاً متولهّاً. لا تلتفتُ إلى الدنيا التفاتةَ راغبْ. ولا ترتاحُ لأجلِ ما تعطيكَ من عُجالةِ الرّاكبْ، ولا تفطُنُ لكرّاتها ودُوَلها أساءَتْ أم سَرَّتْ. ولا لأيامهِا ولياليها أعَقتْ أمْ برَّتْ.

ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[14 - 06 - 2008, 03:27 م]ـ

مقامة الاعتبار

يا أبا القاسم قد رأيتَ العصرَينِ (1) كيفَ يقرضانِ الأعمارْ. ويهدمانِ العمارةَ والعمّار. ويُسكنان الديارَ غيرَ بُناتها. ويورثانِ الأشجارَ جنُاةً بعدَ جنُاتها. ويُملكانِ صاحبةَ الغيرَانِ غيرَهْ بعدما كانَ ينهالكُ عليها غيرَهْ. ويقسمانِ ما دَوَّخ في اكتسابهِ القرى والمدائنْ. وأقفلَ عليهِ المخابئَ والمخازنْ. بينَ حي كحيّاتِ الوادي. كلُّهم لهُ حسّادٌ وأعادي. فروَيدكَ بعضَ هذا الحِرْصِ الشديدْ على تشييدِ الِبنَاءِ الجديدْ. ولا يصُدَّنكَ إبارُ السُّحُقِ الجبّار عنِ التّبتُّلِ إلى الملكِ الجبّار وإيّاكَ والكلَفَ ببيضات الخُدور وقسماتهِنَّ المشبهةِ بالبُدورْ وأنْ تعلِّقَ همّتك بأعلاقِ الأموالْ والاستيثاقِ منها بالأبوابِ والأقفالْ. واستنظِرْ نفسَكَ إن تقاضَتك إيثارَ الملاهي. واستمهلِها إن طالبتكَ بارتكابِ المنَاهي، إلى أن يتفضَّلَ عليكَ ذُو الطولِ والمنّةِ. بالوصولِ إلى دارِ الجنّة.

(1) العصرين: الغداة والعشي.

ـ[الباحثة عن الحقيقة]ــــــــ[14 - 06 - 2008, 04:17 م]ـ

مقامة الدعاء

يا أبا القاسم حَسُبك ما أسلفتَ من الصَّبَواتِ فأمسِك. واحرِصِ أن يكونَ يَومُكَ وغَدُكَ خيراً مِن أمسِك. جنِاياتُك على نفسِكَ تَترى. والأمورُ الألهيّةُ كما تسمعُ وترَى. عزْمٌ لا لينَ ولا هَوادة. وجَدٌ لا هزْلَ ولا مَكادَه. وبطشَهُ جبّارٍ لا تُطاق وسطوَةُ مُقتدرٍ يضيقُ عنها النِّطاق. فما هذهِ الجسارَةُ ولا جِسرَ إلى النّجاةِ إلا أن تجني. ومَن غَرَسَ القتادَ لم يجنِ منهُ الثمَرَ ولن يجني. هاتِ سُلطانكَ فيما ارتكبت. وهلُمَّ بُرهانَكَ فيما احتقبتْ هيهاتَ لا سُلطان. إلا أنك أطعتَ الشَيطان وكَلاَّ ولا بُرهان إلاَّ أنّك أخذتَ العاجِلَ بما عَزَّ وهان. ولا معذرَةَ إلاَّ أنَكَ ذُقتَ طعمَ الإترافِ فاستطبْتَه. ودعاكَ داعي الإسرافِ فاستجبتَه هذه براهينُ السامدينَ اللاَّهين. واللّهُ الصَّمَدُ لا يقبَلُ هذهِ البراهين وهذهِ عِللُ المبطلينَ معاذِرُهم. وبمثلها لا تؤمَنُ أفزاعُهم ومحاذِرُهم. اعطفْ على سيِّئات قدَّمْتَها فندَّمَكَ تقديمُها بحسناتٍ تُدمنُ إقامتَها وتُديمُها. إنَّ الحسنَةَ لتَسحَقُ السَّيئَةَ عن صاحبِها وتَسحُوها. وتمحَقُ آثارَها وتمحوها. كما تَسحو المِبراةُ الرَّصيفةُ الحِبرَ عنِ الطَّرْس. وكما يمحو الماءُ الطُهورُ أثَرَ الرَّجْس وابسُطْ يديكَ إلى ذي المنةِ والطّوْل. وابرَأ إليهِ منَ القوَّةِ والحوْل. وقُل وجناحُكَ منَ الخُشوعِ خفيض. ودمعُكَ على الخدَّيْنِ يفيض. وحلقُكَ بالبُكاءِ شرِق. وجبينُكَ مِنَ الحياءِ عرِق. وصوتُكَ لا يكادُ يسمعُ وَجلا. ولِسانُكَ لا يكادُ ينطِق خجلاً.

يا ربِّ قد فضحْتُ نفسي بينَك وبيني. وقدِ اطَلعتُ على عيبي وشَيني. ولم يخفَ عليكَ دِخلَتي وسِري الخبيث. وعرَفتَ قِصَّتي وحديثي وبِئسَ القصَّةِ والحديث. وكفَتْني فضيحةً ألُفُّ لها رأسي مِنَ التشوُّر. وألفِّعُ وجهي منَ التخَفُّر على أنكَ دونَ قناعَ كلِّ متقنِّعْ ووراءَ لثامِ كلِّ متلفِّعْ. فلا تفضحْني بينَ خلقِكَ يومَ تُبلى السرائِر، ويُنعى على المجرمينَ بالجرائمِ والجرائر. فاعطِف بكرمِكَ على عبدِك فلا خيرَ عندَهُ إلاَّ مِن عندِك فالمَوْلى الكريمُ يصفَحُ عن جُرْمِ العبدِ وذنبهِ. إن عرَفَ منهُ النَّدَمَ على ما فرَّط في جنبهِ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير