تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يا أبا القاسم حتى مَتى تلهو وتلعبَ. وغُرابُ البينِ فوقَكَ ينعَبْ وإلى مَتى تروحَ في التماسِ الغِنى وتغدو وسائقُ الرَّدَى وراءَكَ يحدُو وفيمَ تجوبُ لارتيادِ المالِ الأوديةَ والمفاوز وليسَ الحريصُ لما قُدِّرَ لهُ بُمجاوز ألا وإنَّ بذلَ الاستطاعة واستقِصاءَ الجِدِّ في الطّاعة أوْلى بمَنْ يركبُ الآلةَ الحَدباءَ بعدَ ساعة والسّعيَ النّجيحَ في العملِ الدائرِ بينَ حُقوقِ اللّه أحقُّ مِن لَعبِ اللاعبِ ولهوِ اللاه والوَلوعَ بنيلِ المفازةِ في الأخرى. أجدرُ مِن جَوْبِ المفاوزِ وأحرَى. كأنّي بجنازتك يجمَزُ بها إلى بعضِ الأجداث. وبأهلِ ميراثكَ هجَروك بعدَ الثلاث وشغلْهم عنكَ تناجزُهم على الميراث وغادروكَ وأنت مُعفّرٌ طريح فقد ضمّكَ لحدٌ وضريح رهينَ هلكةٍ مُبسَلاً في يدِ المُرتْهِن أسيرَ محنةٍ مُبلساً مِن إطلاقِ الممتحِن. لم يبقَ بعدَ هجر العشيرةِ وجفوةِ العشير وودَاعِ المستشيرِ من جُلسائكَ والمُشير إلا عملُكَ الذي لزِمَكَ في حياتكَ لُزومَ صحبكَ ويستبقي صحبتكَ بعد قضاءِ نحبِك فيصحبُكَ على التّختِ مَغسولا ويألفُكَ على النعشِ محمولاً ويرافُقك موضوعاً على الأكتافِ في المُصلّى ويحالفُك وأنتَ في الحُفرةِ مُدلّى ويضاجُعك غيرَ هائبٍ من مضجعكَ الخرِب ويعانقكَ غيرَ مستوحشٍ من خدّكَ الترب. ولا يفارقُك ما دمتَ في غِمار الأموات. وإن أصبحتَ ومؤلفاتكَ أشتات وعِظامُك ناخرةٌ ورُفات. فإذا راعتكَ نفخةُ النّشر وفاجأتكَ أهوالُ الحشر. وفرَّ منكَ أبوكَ. وأمك وأخوك ولكلِّ منهم مهمٌ يعينه وشأنٌ حينئذٍ يُغنيه وجدتَ عملكَ في ذلك اليومِ الأغبرْ. وساعةِ الفزَعِ الأكبر أتبعَ لكَ منَ ظِلّكَ وألزَم منْ شَعراتِ قصَّك يفدُ معكَ أينما تفِد ويرِدُ حيثُما ترِد ثمَّ إما أن يدُلّكَ على فوزٍ مبين وإما أن يدُعّك إلى عذابٍ مُهين. فاجهدْ نفسكَ فعلَ كادحٍ غيرَ مَلول. واركب كلَّ صعبٍ وذَلول ولعلّك تستصحبْ من هذا القرينِ المواصِلِ الملازم. وهذا الرَّفيقِ المخاصرِ المحازِم صاحبَ صِدقٍ يؤنسُكَ في مواقيتِ وحدتكَ ووحشتِك ويُلقي عليكَ السّكينة في مقاماتِ حيرتَكَ ودهشتِك ويمهّد لكَ في دار السّلام المِهادَ الأوثر ويرِدُ بكَ سلسبيلاً والكوثر.

ـ[عاشق البيان]ــــــــ[01 - 07 - 2008, 03:42 ص]ـ

جزاك الله خيرا يا ليث بن ضرغام على ما انتقيته لنا من مقامات.

وقد قرأت مؤخرا مقامات جيدة النظم والمضمون للشيخ عائض القرني.

ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[02 - 07 - 2008, 01:25 م]ـ

جزاك الله خيرا يا ليث بن ضرغام على ما انتقيته لنا من مقامات.

وقد قرأت مؤخرا مقامات جيدة النظم والمضمون للشيخ عائض القرني.

بارك الله فيك أخي الكريم عاشق البيان.

وبالنسبة لمقامات الشيخ عائض القرني فهي رائعة كما ذكرت أخي.

ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[11 - 07 - 2008, 12:11 ص]ـ

مقامة التصبر

يا أبا القاسم نفسُك إلى حالها الأولى نزَّأة فاغزُها بسريّةٍ من الصبرِ غزَّأة. لعلّكَ تفلُّ شوكتَها وتكسِرُها. وتجبُرها على الصَّلاحِ وتقسرُها فإن عصتْ وعتتْ وعدَتْ طوْرَها. وألقَتْ بصحراءِ التمرد زَوْرَها وانقشعتْ عن غُلُبتّها. ووقعت على مُصابرتكَ الدَّبرة وعلمِتَ أنَّ صبرَك وحدهُ لا يقومُ عِنادَها ولا يقاومُ أجنادَها فاضمُمْ إلى الصَّبر من التصبرِ مَددا وأوْلهِ منَ التشدَّدِ عُدَّةً وعددا. واعتقد أنَّ الخطبَ ليسَ منَ الدَّدْ إنما هوَ منَ الإدَد. ومما إن أعضَلَ وتفاقمَ له يكفهِ التعارُك. وعجزَ عنهُ التّلافي والتّدارك. فإن رأيتَ الصَّبر والتصبرَ لا يفيان وعلمتَ أنهما لا يكفيان، ووجدتَ شرَّها يزدادُ ويربو. وشرَّتها تمضي ولا تكبو. وزرْعُ باطِلها يزكو. وضِرامَ غيَّها يذكو. فخادِعها عمّل تنزو إليهِ وتطمحْ. وتمدُّ عينيها إليهِ وتلمح واستقبِلها بما يُذهلُها ويُلهيها عنِ المطالبِ التي تشتهيهيا وينأى بجانبها عما يخلجُها من النّظر ويتولّى بُركنها عمّا ينزِعها منَ البطَرْ. جرِّدها عنِ الملبَس البهي. وافطِمها عنِ المطعمِ الشهي وزحزِحها عن وطأةِ المطرَح ووضاءةِ المطمَح. وجافِها عنِ الفراغِ المورثِ للكسلْ، والرقادِ المعقبِ للرَّهل. وأذِقها أكلَ الخشبِ ولُبسَ الخشنِ وخذْها بالنومِ المشرِّد. والشرب المصَرِّد. ومُسها بالجوادِ والجوع ونحِّها عنِ الهُجودِ والهُجوع وعرِّضها لكلِّ مضجعٍ مُقض. وحدِّثها بكلِّ مفجعٍ ممض. واستفزِز بها في الأحايين بمثلِ ما يؤثُر عن بعضِ الصالحين. من إيلامِها بلذعِ الجمرّة ووخزِ الإبرة. وغسِّلها بالطهور الباردِ في حدِّ السّبره. وتدويرِها في المقابرِ والخراب وتعفيرِ وجهها بالتراب. فلا تفتر في خلالِ ذلك أن تعرِض عليها ما وعدَ اللّهُ الأتقياء. وما أوعدَ به الأشقياء وأن تكرِّر على مسامِعها السورَ التي تُروعُ وترْدَع والآياتِ التي تقرَعْ وتقدَعْ. وأن تقذِفَ عليها كلَّ عبءٍ منَ العبادةِ باهظ، وترميها بما يُحكُّ في قلبها ويحيكُ منَ المواعظ. فإنّك إن فعلتَ ذلكَ استبدلتْ من نزوتها سُكوناً واعتاضت ولانتْ بعدَ جِماحها وارتاضت ولم تأبَ عليك خيراً تريدُه. ولا عملاً صالحاً تُبدئهُ وتُعيدُه واحتفظ بما ألقي إليكَ من بابِ الرياضةِ من جوهرةِ ابن عُبيد فإنّه خيرٌ لكَ من جمهرةِ ابنِ دُريد.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير