وفي الحديث عن حياته العامة في «الفصل الثاني» تحدث عن رحلات الشاعر، وأسفاره، واتصالاته بشعراء عصره، وولاته. وإذا كان التاريخ لم يحدثنا بشيء عن مولده، فإنه يحدثنا عن وفاته، ولكن المؤلف يرى أنه مات بين عامي 96 و97 هـ، ويُدلل على ذلك ببعض الأحداث الموثوق من صحتها تاريخيا.
...
*والباب الثالث وعنوانه «شعر الراعي» تنتظمه ثلاثة فصول:
*في الفصل الأول «مصادر شعره» يذكر المؤلف أن ياقوتاً الحموي، ذكر في أكثر من موضع من «معجم البلدان» أن شعر الراعي كان مجموعاً في نسخة قرئت على ثعلب. ولكن المؤلف لم يعثر عليها، ومن هنا أخذ نفسه بجمع أشعار الراعي من مظانها المختلفة (ص81).
ومن هذا الفصل نعلم:
1 - أنه ليس لدينا من شعر الراعي إلا أبيات متفرقة.
2 - جميع هذه الأبيات من مصادر لغوية.
3 - لم تحفظ المصادر الأدبية من شعره إلا النذر اليسير.
«ولهذا فقد جاءت أشعاره التي جمعناها «ديواناً» تغلب عليه الصبغة اللغوية، وإذن فدلالتها على ديوانه دلالة الظل على العود» (ص82).
*وفي الفصل الثاني وعنوانه «فنون شعره» يقول المؤلف إن الراعي قد كتب في كل الأغراض الشعرية، مثل: الوصف، والنسيب، والفخر، والخمريات، والحماسة، والهجاء، والنقائض، والحكم، والأمثال. وهي كلها أغراض تقليدية، كتب فيها الشعراء وأجادوا، ولكن هذه الدراسة أظهرت غرضاً جديداً استحدثه الراوي هو «شكوى العمّال»، فنراه في قصيدته اللامية، وقد عزّ عليه أن يرى قومه فريسة الجور والطغيان، يبث الخليفة عبد الملك بن مروان شكواه من عماله، وفيها يقول: [/ size][/b]
أخليفة الرحمن إنَّا معْشَرٌ =حنفاءُ، نسجدُ بكْرةً وأصيلا
عربٌ نرى للهِ في أموالِناُ =حقَّ الزكاةِ منزَّلاً تنزيلا
إن السعَاةَ عصوْكَ يومَ أمرتهمْ =وأتوْا دواهيَ لو علمتَ وغولا
ثم يعدد أساليبهم واحتيالهم للغش، بأبرع الأساليب، ونراه ـ بعد ذلك ـ يصف حال قومه وعشيرته، وما حلّ بهم من طرد وتشريد، وهم المسلمون المؤمنون الموحدون بالله، المؤدّون للزكاة. ثم يناشد الخليفة، وهو مناط الأمل ومعقد الرجاء أن ينكل بهؤلاء السعاة الخطاة، ويتدارك قومه، فيرفع عنهم المظالم التي ألمت بهم على أيديهم.
*وفي الفصل الثالث وعنوانه «خصائص شعره»: يتحدث المؤلف عن الألفاظ والأساليب، فيرى أن حياة الراعي في البادية أثَّرت في ألفاظه وتراكيبه، لهذا رأينا في شعره: الأثافي، والقدور، والنيران، والذئاب العاوية، والوحوش الضارية، وعزيف الريح، وهدير السيل، وصليل السيوف، وفحيح الأفاعي.
أما عن التراكيب فلم يُدرك الراعي عصر التكلف والصنعة، ومن ثم جاءت تراكيبه طبعية تُجانب المُعاظلة، والمعاناة، والتعسف، وتخضع للنسق الطبيعي، فلا تعقيد، ولا التواء، ولا غموض، ولا اضطراب، ولا تقديم، ولا تأخير إلا ما دعت إليه دواعي البلاغة (ص160).
وقد استحسن شعره: أبو عمرو الشيباني، وأبو هلال العسكري، وابن رشيق القيرواني، لإصابة المعنى، وروعة الخيال، وتناسب القافية (ص172).
ولقد كان الراعي حجة في النحو واللغة، اعتمد عليه النحاة في تأييد مذاهبهم النحوية، كما اعتمد عليه اللغويون في تقرير ألفاظهم اللغوية. وحق لهم، فهو شاعر أموي بدوي قمين بأن يحتج بشعره (كما قال السيوطي والقاضي الجرجاني (ص184).
وفي النهاية وازن المؤلفُ شعره بشعر غيره من شعراء طبقته: كالفرزدق وجرير والأخطل، وذي الرمة.
**
وفي ختام هذا العرض، لا يسعنا إلا أن نقرر أن هذه الدراسة قد أنصفت شاعراً فحلاًَ، بقي طيلة تاريخنا الأدبي ينتظر الدارس المنصف الذي يُخرج شعره من بطون كتب الأدب والتاريخ، ويُلقي الضوء على حياته وشعره في إطار عصره، وجاء الدارس الأستاذ الدكتور محمد نبيه حجاب ليُعطيه بعض حقه
مشكور أخي محمد سعد على هذه الدراسة القيمة، بارك الله فيك.
ـ[محمد سعد]ــــــــ[15 - 06 - 2008, 12:39 ص]ـ
قال المنيري في وصف عصا الراعي:
الراعي إذا كان جلدا صارما اختار عصاه من أصلب ما يقدر عليه ونقحها وشذبها وحسنها، ولذلك سموا فرسا من خيلهم بهراوة الأعزاب، والأعزاب: جمع عزب، وهو الراعي يعزب بإبله عن الحي أي يتباعد، ولذلك قال النميري:
فألقى عصا طلح ونعلا كأنها =جناح السماني ريشها قد تخدما
ـ[محمد سعد]ــــــــ[15 - 06 - 2008, 12:42 ص]ـ
والعصا كناية عن الأدب كما قال أبو عبيد، قال الراعي يصف راعيه (1):
ضعيف العصا بادي العروق ترى له =عليها إذا ما أقحل الناس إصبعاً
يعني أنه لين عليها، رفيق بها، وهو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في أبي جهم: لا يرفع عصاه عن أهله (2).
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) اللسان (صبع)، والقالي 2: 322 والسمط: 764 والبيان 3: 52 والرواية فيها جميعاً " إذا ما أجدب الناس "
(2) هو ابو جهم بن حذيفة بن غانم من بني عدي، أسلم عام الفتح وكان معظماً في قريش مقدماً فيهم وكان فيه شدة وعرامة.