تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال حِنظلةُ ابن ثَعلبة بن سيّار العِجْليّ: لا أرى غير القتال، فإنّا إن رَكبنا الفلاة مِتْنا عَطشا، وإن أعطينا بأيدينا تقتل مُقاتلتُنا وتُسبى ذرارينا. فراسلت بكر بينها وتوافت بذي قار، ولم يَشْهدها أحد من بني حَنيفة. ورؤساء بني بكر يومئذ ثلاثة نفر: هانئ بن قَبيصة، ويزيد بن مُسْهر الشَّيباني، وَحنظلة بن ثَعلبة العِجْتي - وقال مِسْمع بن عبد الملك العِجْلي بن لُجيم بن صَعْب بن عليّ بن بكر بن وائل: لا والله ما كان لهم رئيس وإنما غُزوا في ديارهم - فثار الناسُ إليهم من بيوتهم. وقال حَنظلة بن ثعلبة في هانئ بن قَبيصمة: يا أبا أمامة، إنّ ذمّتنا عامّة، وإنه لن يُوصل إليك حتى تفَنى أرواحنا، فأخْرج هذه الحلقة ففرِّقها في قومك، فإن تَظفر فستردّ عليك، وإن تَهْلِك فأهونُ مَفقود. فأمر بها فأُخرجت وفُرِّفت بينهم، وقال للنعمان: لولا أنك رسول ما أُبتَ إلى قومك سالماً.

قال أبو المُنذر: فعقد كِسْرى للنعمان بن زُرعة على تَغلب والنّمِر، وعقد لخالد بن يزيد البَهرانيّ على قُضاعة وإياد، وعَقد لإياس بن قَبيصة على جَميع العَرب، ومعه كَتيبتاه الشَّهباء والدَّوْسر، وعقد للهامَرْز التُّسْتَريّ، وكان على مسلّحة كِسرى بالسواد، على ألف من الأساورة. وكتب إلى قَيس بنِ مَسعود ابن قَيس بنِ خالد ذي الجَدّين، وكان عاملَه على الطَّف طفّ سَفَوان. وأمره أن يُوافيَ إياس بن قَبيصة، ففعل. وسار إياس بمَن معه من جُنده من طيىء، ومعه الهامَرْز والنّعمان بن زُرعة وخالد بن يَزيد وقَيْس بن مَسْعود، كُل واحد منهم على قومه. فلما دنا من بَكر انسل قيسٌ إلى قومه ليلاً، فأتى هانئاً فأشار عليهم كيف يصنعون، وأمرهم بالصبر ثم رجع. قلما التقى الزَّحْفان وتقارب القومُ قام حنظلة بن ثعلبة بن سيّار العِجْلي،

فقال: يا معشر بكر، إنّ النّشّاب التي مع هؤلاء الأعاجم تُفرقكُم، فعاجلوا اللقاء وابدءوا بالشدَّة. وقال هانئ بن مَسعود: يا قوم، مَهلك مَعْذور، خير من مَنْجى مَغرور. إن الجَزع لا يردّ القَدر، وإن الصبر من أسباب الظّفر. المنيّة خير من الدنيّة، واستقبال الموت خير من استدباره. فالجِدّ الجِد فما من الموت بُد.

ثم قام حنظلة بن ثعلبة فقَطع وُضُن النِّساء فسقطْنَ إلى الأرض، وقال: ليقاتل كُل رجل منكم عن حَليلته، فسُمَي مُقَطّع الوُضُن.

قال: وقَطع يومئذ سبعُمائة رجل من بني شَيبان أيديَ أَقْبيتهم من مناكبها لتخف أيديهم لضَرب السُّيوف. وعلى ميمنتهم بكرُ ابن يزيد بن مُسهر الشّيباني، وعلى مَيْسرتهم حَنظَلة بن ثعلبة العِجْلي وهانئ بن قَبيصة.

ويقال: ابنُ مَسعود في القَلب. فتجالد القومُ، وقَتل يزيدُ بن حارثة اليشكري الهَامَرز مُبارِزه، ثم قُتل يزيد بعد ذلك. ويقال إنَّ الحَوفزان بن شريك شد على الهامَرْز فقَتله.

وقال بعضُهم: لم يُدرك الحَوفزان يوم ذي قار وإنما قتله يزيدُ بن حارثة. وضرب الله وُجوهي الفُرس فانهزموا، فأَتبعهم بكر حتى دخلوا السّواد في طلبهم يَقْتلونهم. وأُسر النّعمان بن زُرعة التّغلَبي، ونجا إياسُ بن قبيصة على فرسِه الحَمامة، فكان أولَ من انصرِف إلى كسرى بالهزيمة إياسُ بن قَبيصة، وكان كِسرى لا يأتيه أحد بهزيمة جيش إلا نزع كتِفه. فلما أتاه ابن قَبيصة سأله عن الجيش. فقال: هَزمنا بكر بن وائل وأتيناك ببناتهم. فأعجب بذلك كِسْرى وأمر له بكسوة، ثم استأذنه إياس، وقال: إن أخي قيس بن قبيصة مريض بعين التّمر، فأردتُ أن آتيَه. فأذن له. ثم أَتى كِسْرى رجل من أهل الحِيرة وهو بالخَوَرْنق، فسأل: هل دَخل على الملك أحدٌ؟ فقالوا: إياس، فظَنّ أنه حدّثه الخَبر، فدَخل عليه وأَخبره بهزيمة القوم وقَتْلهم. فأَمر به فنُزعت كَتِفاه.

قال أبو عُبيدة: لما كان يوم ذي قار كان في بَكْر أسرى من تَميم قريباً من مائتي أَسِير، أكثرهم من بني رِيَاح بن يَرْبوع. فقالوا: خَلُّوا عنّا نُقاتلْ معكم فإنما نَذُب عن أَنفسنا. قالوا: فإنا نخاف ألا تناصحونا. قالوا: فدعونا نُعلم حتى تروا مكاننا وغَناءنا

فذلك قولُ جرير:

منّا فوارسُ ذي بهْدِي وذي نَجَب=والمُعْلَمِون صباحاً يوم ذِي قار

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير