واستشهد سيبويه بالبيت الثاني منهما على أن "مضيعا" نصب على الحال. قال سيبويه كأنه قال: للمعصي أمرٌ مُضَيَّعاَ. كما جاء: فيها رجلٌ قائماً. وهذا قول الخليل رحمه اللّه. وقد يكون أيضاً على قوله: لا أحد فيها إلا زيداً.
قال ابن السيرافي: يريد أن "مضيَّعا" قد ينتصب أيضا على غير وجه الحال، على أن يكون مستثنى من "أمر" في قوله "ولا أمر"، كما استثني زيد من رجل، في قوله: لا رجل فيها إلا زيدا. وكأنه قال: ولا أثر للمعصي إلا أمراً مُضيعا، فحذف المنعوت وقام النعت مقامه.
و وقوال الأعلم (1): ونصف "مضيعا" على وجهين: أجودهما الحال، وحرف الاستثناء قد يدخل بسم الحال وصاحبها ... والوجه الآخر أنه نصب على الاستثناء بعد النفي، والوجه البدل من موضع لا، كما أن الرفع على البدل من موضع لا في (لا إله إلا اللَّهُ) أقوى من النصب بالاستثناء.
نسخة الرسالة الخطية
لهذه الرسالة نسخة خطية فريدة تقع في اثنتي عشرة صفحة، ضمن مجموع يضم 15 رسالة بمكتبة عارف حكمت برقم 88 مجاميع. وهي الرسالة التاسعة في المجموع، وتقع من ورقة 29 - 34. وقد كتبت بخط نسخي عادي، بخط العلامة محمد بن أحمد بن علي البهوتي الحنبلي الشهير بالخلوتي. وفي الصفحة نحو 27 سطرا وفي السطر 10 كلمات تقريبا.
وقد ورد في آخر الرسالة الأولى ورقة 3: وعلقه لنفسه أفقر العباد، وأحوجهم إلى عفو ربه العلي محمد بن أحمد البهوتي الحنبلي، في يوم الجمعة المبارك ثاني عشر ذي القعدة من شهور سنة 1038 من الهجرة النبوية.
والنسخة كاملة واضحة، ولكنها لا تخلو من التحريف والاضطراب والغموض في بعض المواضيع.
وقد عملت على خدمة النصر وضبطه وتوثيق محا شيه، والتعليق عليه، ما أمكن، لتوضيح الجوانب الدقيقة لكل مسألة.
وباللّه التوفيق، والحمد للّه أولا وآخرا.
بسم اللّه الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
قال الشيخ العلامة جمال الدين [عبد الله بن] يوسف بن هشام الأنصاري، رحمه اللّه تعالى، ونفعنا بتحقيقاته:
أما بعد حمد اللّه، والصلاة على رسوله محمّد، صلى الله عليه وسلم، فهذه رسالة كتبتها في إعراب لا إله إلا الله سألني في وضعها بعض الأصحاب، فأجبته مستمداً من الكريم الوهاب.
[جواز الرفع والنصب في الاسم الواقع بعد إلاّ]:
يجوز الرفع فيما بعد إلا، والنصب. والأوّل أكثر.
نص على ذلك جماعة منهم العلاّمة محمد بن [محمد] بن عمرون في شرحه على المفصّل. وظاهر كلام ابن عصفور والأبذي يقتضي أن النصب على الاستثناء أفصح، أو مساو للرفع على بعض الوجوه، كما سيأتي تقريره.
[أوجه الرفع]:
فأما الرفع فمن ستة أوجه:
أولها: أن خبر "لا"محذوف، و" إلاّ اللّه" بدل من موضع لا مع اسمها، أو من موضع اسمها قبل دخولها. وقع للنحويين الحَمْلان.
وهذا الإِعراب مشهور في كلام جماعة من أكابر هذه الصناعة، قيل أطبق عليه المعربون من المتقدمين وأكثر المتأخرين.
قلت: وقد استشكل من قاعدة أن البدل لا بد أن يصحّ إحلاله في محل المبدل منه، وهو على نيِّة تكرار العامل. ولا يصحّ تكرار "لا" لو قلت: إلا عبد الله في قولك: لا أحد فيها إلا عبد الله. لم يجزْ.
وأجاب الشلوبين بأن هذا في معنى، ما فيها من أحدٍ إلاّ عبدُ اللّه، ويمكنك في هذا الإحلال.
قال ابن عصفور، رحمه اللّه تعالى: وهذا الإشكال لا يتقرر، لأنه لا يلزم أن يحلّ "أحد" الواقع بعد إلاّ، إنما يلزم تقدير العامل في المبدل منه، والعامل في المبدل منه الابتداء، فإذا أبدلت منه كان
مبتدأ، وخبره محذوف. والتقدير في "لا أحد فيها إلاّ عبد الله: لا فيها [أحدٌ] إلا عبدُ الله.
وهذا فيه تأمل يظهر بما ذكره النحويون، في مسألة (ما زيدٌ بشيءٍ إلا شيءٌ لا يعبأ به) من أن "إلاّ شيء" بالرفع لا غير على اللغتين.
أما عند بني تميم فلأنّ (بشيء) في محل رفع، وتعذّر حمله على اللفظ لأن الباء لا تزاد في الإيجاب.
وأما عند أهل الحجاز فلأنهم وإن أعملوا ما، و"بشيء" في محل نصب عندهم، فإعمالها مشروط بعدم انتقاض النفي. فما بعد "إلا" لا يمكن تقدير عملها فيه، والبدل على نية التكرار، ولذلك قال سيبويه: وتستوي اللغتان.
وقد زعم ابن خروف أن مراده بالاستواء فيما قبل إلاّ وفيما بعدها من المستثنى والمستثنى منه.
¥