قال ابن الضائع: "وغلط الأستاذ أبو علي في النقل عنه، فنقل الاستواء فيما بعد إلاّ، لا فيما بعد المجرور، حتى يرد عليه بأنه لا يجوز بدلا مرفوع من منصوب".
قال ابن الضائع: وعِندي أن القياس أن يبقوا على لغتهم في المجرور، وإلا كان يلزم الرفع في قولنا: ما زيدٌ قائماَ بل قاعدٌ، وكذا في لكنْ. ولم ينقل عن الحجازيين رجوعهم إلى اللغة التميمية في ذلك. وإنما نقل عنهم الرفع فيما بعد بل ولكن على جهة الابتداء. فهاهنا ينبغي أن يرجع فيما بعد "إلا" على النصب على الاستثناء. فقول سيبويه: استوت اللغتان في الرفع، ينبغي أن يحمل على ما بعد إلاّ. ولا حجة لهم في قول سيبويه: وصارت "ما" على أقيس اللغتين، فإنه يمكن حمله على ما بعد إلاّ، كما قالوا في: ما زيد إلا منطلق، رجعوا إلى اللغة التميمية.
ويقوّى أنه يريد ما بعد إلاّ، تقديره وقوله: كأنك قلت: ما زيد إلا شيء لا يعبأ به.
وقول الأستاذ "لا يبدل مرفوع من منصوب"، جوابه أن البدل هنا بالحمل على المعنى. فإن الشرط في البدل تقدير تكرار العامل، فإن العامل يتكرر على أن البدل مرفوع. ويظهر البدل هنا في أنه لا يعمل فيه اللفظ المتقدم العامل في المبدل منه، بل الابتداء قولهم "لا إله إلا اللّه"، ألا ترى أنه بدل على تقدير مالنا أو ما في الوجود. ولا يجوز تقدير لا في الوجود إلا اللّه، لأن "لا" لا تلغى إلا مكررة. وكذا البدل هنا على تقدير: ما زيد إلا شيء. وكأن "ما" لها عملان، عمل فيما بعد إلا وهو الرفع، وعمل فيما قبلها وهو النصب، فترك الأول على أحد العملين، وحمل الثاني، وهو ما بعد إلا، على العمل الآخر. انتهى.
وفي كلامه نظران:
الأول: قوله "ولا يجوز تقدير لا في الوجود إلا اللّه " ليس معنا في اللفظ إلاّ "لا" واحدة وهي عاملة. نعم إذا أعربناه على ما سبق بدلا نوينا تكرار لا، وانتفى عمل تلك المقدرة بالدخول على المعرفة. ومن أين لزوم التكرار لتلك المقدّرة. ولو قيل إنها تكررت في الجملة كان كافيا في جوابه.
الثاني: جعله باب "لا إله إلا اللّه " وباب "ما زيدٌ بشيءٍ إلا شيء" سواء. ولقائل أن يقول بينهما فرق، بأن "اللّه " مرفوع بدلا من منصوب.
وقد يعتذر له عن الثاني بأن "إلا اللّه "بدل من موضع اسم لا، لا من "لا" مع اسمها. بل لا يفتقر إلى ذلك جميعه، فإن العامل المقدر مع البدل هو الابتداء، وهو صالح للعمل في البدل والمبدل منه، كما تقدم في كلام ابن عصفور.
وقد رأيت في المجد المؤثل مما كتبته على المفصّل أن الرفع في "ما زيد بشيء إلا شيء" يحتمل ثلاثة أوجه: إما البدل من جهة المعنى كما سبق، وإما على موضع "بشيء" قبل دخول "ما"، و إما على أن الرفع في الثاني هو الرفع في الأول، لو اتصف الأول بصفته من الإِثبات. وشبهت ذلك بمسألة التنزيل في توريث ذوي الأرحام في الفرائض، أي إعطاء الذكر ما للأنثى التي أدلى بها، وبالعكس، مع مراعاة العدد منه نفسه، فليتأمل.
ثانيها: أن خبر "لا" محذوف، كما سبق، والإبدال من الضمير المستكن فيه. وهذا لا كلفة فيه، واختاره بعض المتأخرين.
ثالثها: أن الخبر محذوف كما سبق، و"إلا اللّه " صفة لإله على الموضع، أي موضع لا مع اسمها، أو موضع اسمها قبل دخول "لا".
ولا يستنكرون وقوع "إلا" صفة، فقد جاء {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا}. ويصير المعنى: لا إلهَ غير اللّه في الوجود. وقد جاء {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} بالوصف، لكنّ الخبر المحذوف قدّره بعضهم "في الوجود"، وقدّره بعضهم "كائن"، وبعضهم "لنا".
قيل والتقديران الأولان أولى من حيث كونه أدل على التوحيد المطلق من غير تقييد. ولذلك جاء {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وأعقب بقوله {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}.
وقد يقال إذا قدِّر "لنا" فالمراد لنا أيها العالَم الذي هو كل موجود سوى اللّه عز وجل، فاتحدت التقادير.
وقد ردّ الإمام فخر الدين على من قدر الخبر "في الوجود" لأن هذا النفي عام
مستغرق، فتقييده بالوجود مخصص، فلا يبقى النفي على عمومه المراد منه، فلا يكون هذا إقرارا بالوحدانية على الإطلاق.
¥