ـ[أبو العباس المقدسي]ــــــــ[22 - 08 - 2008, 02:38 م]ـ
أكرمك الله أستاذنا الأغرّ
أنت نافع كعادتك , وتقطع قول كل ّ خطيب
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[24 - 08 - 2008, 05:33 ص]ـ
وأكرمكم الله مشرفنا العزيز وشكرا لكم على حسن ظنكم وفقكم الله.
أعود للجملة الثانية: هذا كتاب أوراقه كثيرة.
لنأخذ أولا: هذا كتاب، فهذه العبارة تعني أن المخاطب كان يجهل ما المشار إليه، فأفاده المتكلم بأن الشيء الذي أشير إليه كتاب من جنس الكتب، فالمراد باسم الإشارة كان مجهولا للمخاطب فصار معلوما بذكر الخبر، فهذا مبتدأ وكتاب خبر به تمت الفائدة، ولا يصح في هذه الحالة أن يقال إن المشار إليه محذوف، لأن هذا دال بلفظه على المشار إليه، فإذا قيل المشار إليه محذوف تقديره: هذا الشيء، فأقول: لا حاجة لمثل هذا التقدير، ولو قدرنا مثل هذا لقدرنا لكل اسم فاعل أو مفعول موصوفا محذوفا، ففي قولنا: زيد منطلق، يكون التقدير: زيد رجل منطلق، أو فتى منطلق أو ما شابه ذلك، وقد استغني عن مثل هذا التقدير، فلا حاجة إليه، وفي الإعراب لا نقول: منطلق صفة لموصوف محذوف هو الخبر. ومثله هنا اسم الإشارة يغني عن مثل هذا التقدير، ولا نقول إن المشار إليه محذوف وهو المبتدأ، وإنما نقول: اسم الإشارة مبتدأ، وكتاب خبر.
فإذا عرف المخاطب المشار إليه أنه من جنس الكتب، ولكنه اشتبه عليه الكتاب المشار إليه عن غيره، فإن على المخاطب أن يصف الكتاب المشار إليه بما يوضحه ويخصصه بحيث يعرفه المخاطب ويميزه عن غيره من جنسه، فيصفه بوصف بالمفرد أو بالجملة، كأن يقول: أوراقه كثيرة، فهذه الجملة وصف وضح الكتاب المشار إليه.
ويجوز أن يخبره خبرا آخر ليتضح بمجموع الخبرين المراد بالمشار إليه، فيكون كتاب خبرا وجملة (أوراقه كثيرة) خبرا ثانيا، كما تقول: هذا حلو حامض، فحلو خبر وحامض خبر ثان والفائدة لا تتم إلا بمجموع الخبرين.
ويجوز على ضعف أن تجعل جملة (أوراقه كثيرة) حالا، كما تقول: هذا رجل منطلقا، وهو ضعيف في القياس وفي الاستعمال.
فإذا كان المشار إليه معلوما لدى المخاطب بأنه كتاب من جنس الكتب فعندئذ لا يصح السكوت على الخبر، لأنه لا فائدة فيه، فكأنه قال: هذا الكتاب كتاب، لذلك لا بد من ذكر ما يوضح الخبر المعلوم وتكون فيه الفائدة، فيأتي بالنعت، فيقول: أوراقه كثيرة، فهذه العبارة هي المرادة بالذكر وبغيرها لا تتم الفائدة، وهي في الحقيقة الخبر، ولكن لا يمكن الإتيان بها بدون الموصوف وهذا من المواضع التي لا يستغنى فيها عن ذكر التابع كما في: يا أيها الرجل، ويكون المتبوع مذكورا للتوطئة، وهذا شبيه بالحال الموطئة، فالحال في الحقيقة هي الوصف الذي يأتي بعد الحال الموطئة.
لنوازن الآن بين الوجه الذي وردت فيه الجملة حالا من المعرفة: وتأويلها: هذا الكتاب كثيرةً أوراقه، وبين الوجه الذي وردت فيه الجملة صفة للنكرة، وتأويلها: هذا كتاب كثيرةٌ أوراقه.
فمعنى الأولى: أن المشار إليه هو الكتاب الذي كان معهودا بين المتكلم والمخاطب أو هو الكتاب الكامل في موضوعه مع التنبيه على حالته التي هو عليها من كثرة الأوراق التي تدل على غزارة العلم.
ومعنى الثانية أن المشار إليه كتاب من جنس الكتب يتميز عن غيره بكثرة أوراقه.
فائدة: النكرة تقع وصفا للنكرة، وحالا للمعرفة والنكرة، والمعرفة تقع وصفا للمعرفة ولا تقع حالا لا للمعرفة ولا للنكرة.
أرجو أن أكون قد بينت لك الفرق.
مع التحية الطيبة.