تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي مصنف عبد الرزاق: عن يحيى البجلي، عن ابن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي هريرة مرفوعا. ولفظه مثل لفظ ابن خزيمة من طريق بُنْدار سواء بسواء [39].

وكل هذه الروايات اشتملت على إضافة لفظ "الصورة" إلى الضمير المفرد الغائب في جملة تعليل النهي عن ضرب الوجه وتقبيحه، وروي عن أبي هريرة أيضا إضافة لفظ "الوجه" إلى الضمير نفسه؛ فروى ابن أبي عاصم قال: حدثنا محمد بن ثعلبة بن سواء، حدثني عمي محمد بن سواء، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ: "إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه؛ فإن الله ــ تعالى ــ خلق آدم على صورة وجهه" [40].

وقال الألباني في تخريجه: "إسناده صحيح، رجاله رجال الشيخين غير شيخ المصنف وهو ثقة ... ؛ لكني في شك من ثبوت قوله: "على صورة وجهه". فإن المحفوظ في الطرق الصحيحة "على صورته" ... ، ثم إن سعيد بن أبي عروبة قد خولف في إسناده أيضا عن قتادة…" [41].

وأقول: هذا يعني أن الحديث شاذ إسنادا ومتنا. أما شذوذ إسناده؛ ففي مخالفة سعيد بن أبي عروبة لهمام بن يحيى بن دينار العوذي البصري وهو ثقة [42]، والمثنى بن أبي سعيد الضُّبَعي أبي سعيد البصري القسام وهو ثقة أيضا [43]؛ فإنهما رويا الحديث عن قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي البصري، عن أبي أيوب المراغي الأزدي، عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ كما سبق أن ذكرت. وسعيد بن أبي عروبة مهران اليشكري وهو ــ كما قال ابن حجر ــ ثقة حافظ له تصانيف، لكنه كثير التدليس واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة [44]ــ روى الحديث عن قتادة، عن أبي رافع المدني نفيع الصائغ، عن أبي هريرة.

وأما شذوذ متنه؛ ففي مخالفته لجميع الروايات السابقة من حديث أبي هريرة، ولفظها جميعا "على صورته"، ولفظ سعيد "على صورة وجهه".

وهذا الشذوذ بنوعية ينزل بهذه الرواية عن درجة الصحيح.

وقد رُوِيَ عن أبي هريرة أيضا إضافة "الصورة" إلى لفظة "النفس" المضافة إلى ضمير الغائب المفرد؛ فروى القاضي أبو يعلى بإسناده إلى أبي سهل سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أخيه عبد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ قال: "إذا ضرب أحدكم مملوكه فليتق الوجه؛ فإن الله إنما خلق آدم على صورة نفسه" [45].

وهذا الحديث لا تقوم به حجة؛ فإسناده ضعيف جدا، وقد حكم ابن حجر على أبي سهل سعد بن سعيد بأنه لين الحديث، وعلى أخيه عبد الله بن سعيد بأنه متروك [46].

وقد يغلب على قراءة رواية سعيد بن أبي عروبة على شذوذها، وعلى قراءة روايات الإمام أحمد السابقة من طريق المثنى وهمام عن قتادة، وسفيان عن أبي الزناد عن الأعرج، ورواية ابن خزيمة من طريق الليث عن ابن عجلان عن سعيد في النهي عن ضرب الوجه، وعلى قراءة رواية الآجري من طريق سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج في النهي عن تقبيح الوجه .. أقول: قد يغلب على قراءة هذه الروايات عود الضمير إلى الله ــ تعالى ــ وفق الظاهر؛ لعدم اشتمالها على ذكر المنهي عن ضرب وجهه أو تقبيحه صراحة أو بضمير ظاهر يعود إليه؛ فهو الذي بُيّنَتْ علة النهي عن ضرب وجهه أو تقبيحه بأن الله ــ تعالى ــ خلق آدم ــ عليه السلام ــ على صورته. وبناء على ذلك يمكن أن يقال: إن المذكور قبل الضمير الذي أضيف إليه لفظ "الصورة" أو لفظ "الوجه" ثلاثة ألفاظ: "الوجه" المنهي عن ضربه وتقبيحه، و"لفظ الجلالة"، و"آدم" عليه السلام. فإذا عدنا بالضمير إلى لفظ "الوجه"؛ فلا يستقيم وفق الظاهر خلق آدم ــ عليه السلام ــ على صورته إلا بتأويل وتقدير؛ ويمتنع ذلك في رواية سعيد بن أبي عروبة. وإذا عدنا بالضمير إلى"آدم"؛ فضعيف لا يستقيم معه كون تلك الجملة علة النهي. ويبقى بعد ذلك عود الضمير إلى "لفظ الجلالة" تعالى ربنا وعز، ويكون الكلام في حقيقة هذه الإضافة على المذاهب المعروفة؛ فقائل بالتفويض وترك التفسير، وذاهب إلى التأويل، ومصرح بأن الإضافة كانت للتشريف والتكريم؛ مثل: بيت الله، وناقة الله، ونظائره.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير