تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والوجه في الإنسان بعد ذلك شارة العزة، ومحل التكريم والسجود لله ــ تعالى. ولهذا حرص الإسلام على تكريمه ومنع إهانته حتى في تأديب المرأة الناشز التي تترفع عن طاعة زوجها أو تَمتدُّ عينها إلى غيره، كما جاء في قول الله ــ عز وجل ــ: "واللاتي تَخافون نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ في المَضَاجِعِ واضْرِبُوهُن …" النساء /34. فقد أخرج أبو داود في سننه قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، أخبرنا أبو قزعة الباهلي، عن حكيم بن معاوية القشيري، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وَتَكْسُوَهَا إذا اكْتَسَيْتَ أو اكْتَسَبْتَ، ولا تَضْرِبْ الوَجْهَ ولا تُقَبِّحْ، ولا تَهْجُرْ إلا في البيت". قال أبو داود ولا تُقَبِّحْ: أن تقول قبَّحَكِ الله [59].

وأخرجه الإمام أحمد قال: أخبرنا محمد بن بشار، قال: نا يحيى، عن بَهْز قال: حدثني أبي، عن جدي قال: قلت: يا رسول الله، نساؤنا ما نأتي منها أم ما ندع؟ قال: "حرثك أنى شئت غير أن لا تُقَبِّحَ الوجهَ ولا تَضْرِبْ، وأطْعِمْهَا إذا طَعِمْتَ، واكْسُهَا إذا اكْتَسَيْتَ، ولا تَهْجُرْهَا إلا في بيتها، كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض إلا بما حل عليها؟! " [60].

وأما ذكر آدم ــ عليه السلام ــ في تعليل النهي عن ضرب وجه الإنسان وتقبيحه، وقد خلت منه بعض الروايات [61]؛ فله وجوه منها: أنه أبو البشر، والولد على صورة أبيه، لوجهه ما لوجه أبيه من الكرامة، وسب الولد لأبيه إذ يقبح وجهه عقوق ظاهر. ومنها أن آدم ــ عليه السلام ــ له خصوصية الخلق على غير مثال سابق، وإنما خلقه الله ــ تعالى ــ وصور ذريته على شبهه. ومنها أن الله ــ تعالى ــ صور آدم وخلقه بيديه ــ جل وعلا ــ "قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين" ص ~ /75. وهذا تشريف لآدم ــ عليه السلام ــ خاصة، والله خالق كل شيء بما شاء من صفاته العلا المؤثرة في الوجود.

وعلى هذا لا يستقيم في مرويات مقام النهي عن ضرب وجه الإنسان وتقبيحه عود الضمير في قوله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ: "فإن الله خلق آدم على صورته" إلا إلى المنهي عن ضرب وجهه وتقبيحه، كما كان عوده في مرويات المقام الأول إلى آدم ــ عليه السلام ــ نفسه؛ لكن ذهب بعض العلماء إلى القول بعود الضمير إلى الله ــ تعالى ــ وتمسكوا ببعض ما روي عن أبي هريرة وعبد الله بن عمر ــ رضي الله عنهم ــ من إضافة الصورة إلى الله ــ جل وعلا ــ أو وجهه الكريم. وهذه الروايات غير مُخَرَّجَةٍ في الصحاح، ولا في المسانيد وكتب السنة الأولى التي يعول على ما فيها؛ مثل: الموطأ، ومسند أحمد، وسنن الدارمي، ومصنفي عبد الرزاق وأبي بكر بن أبي شيبة. ولهذا دلالة لا ينبغي أن تهمل ..

والمروي من ذلك عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ روايتان: أخرج أولاهما ابن أبي عاصم قال: ثنا عمر بن الخطاب، ثنا ابن أبي مريم، ثنا ابن لهيعة، عن أبي يونس سليم بن جبير، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ: "من قاتل فليجتنب الوجه؛ فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن" [62].

وأخرج الثانية الدارقطني قال: حدثني إسماعيل بن العباس الوراق، ثنا علي بن الحرب، ثنا زيد بن أبي الزرقا، ثنا ابن لهيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ: "إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه؛ فإن صورة الإنسان على صورة الرحمن ــ عز وجل" [63].

أما إسناد الرواية الأولى؛ فقد حكم عليه الألباني بالضعف، وقال في تخريجه: رجاله ثقات غير ابن لهيعة؛ فإنه سيئ الحفظ. وإنما يصح الحديث بلفظ "على صورته" [64].

أقول: وابن لهيعة في نفسه صدوق مرضي الدين لم يتهم بتعمد الكذب؛ لكنه حدث من حفظه بعد احتراق كتبه فأخطأ، وكان حسن الظن بالناس إذا جاء إليه أحد بحديث مكتوب يزعم أنه أخذه عنه؛ قرأه وحدث به الناس .. قال الحافظ ابن حجر: "حكى الساجي عن أحمد بن صالح: كان ابن لهيعة من الثقات؛ غير أنه إذا لُقِّنَ شيئا حدَّث به …

وقال ابن خراش: كان يُكْتَبُ حديثُه. واحترقت كتبه، فكان من جاء بشيء قرأه عليه، حتى لو وضع أحد حديثا وجاء به إليه؛ قرأه عليه. قال الخطيب: فَمِنْ ثَمَّ كُثُرَتْ المناكير في روايته لتساهله" [65].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير