تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

2 ــ أن يُوجَدَ مُرْسَلٌ آخر موافقٌ له عن عالمٍ يروي عن غير ما يروي عنه المرسِلُ الأوَّل؛ فيكونَ ذلك دليلا على تَعَدُّدِ مخرجه، وأن له أصلا.

3 ــ أن يوجد شيء مرفوع يوافقه لا مُسْنَدٌ ولا مُرسَلٌ؛ لكن يوجد ما يوافقه من كلام الصحابة فَيُسْتَدَلُّ به على أن للمرسَل أصلا صحيحا.

4 ــ أن يوجد القول به عند عامة أهل العلم؛ فذلك يدلُّ على أن له أصلا، وأنهم مُسْتَنِدُونَ في قولهم إلى ذلك الأصل [114].

وإن لم تتوفر هذه الشروط؛ لم يقبلوا الرواية المرسلة ولم يحتَجُّوا بها. وإمام هؤلاء محمد بن إدريس الشافعي (ت 204هـ)، الذي وَضَّحَ رأيَهُ في كتابه "الرِّسَالة". وقال بعد بيانه لشروط قبول الروايات المرسلة ــ على النحو الذي فصَّله ابن رجب ــ: "وإذا وجدت الدلائل بصحة حديثه بما وصفت أحببت أن أقبل مرسله. ولا نستطيع أن نزعم أن الحجة تثبت به ثبوتها بالموتصل. وذلك أن معنى المُنْقَطِع مُغَيَّبٌ يحتمل أن يكون حُمِلَ عمن يُرْغَب عن الرواية عنه إذا سُمِّي ... " [115].

والإمام الشافعي في تفصيل رأيه ــ كما يبدو لي ــ يغلب عليه نظر الفقيه المراعي للأحكام العملية، التي يمكن استنباطها وتقريرها بالقياس على الأشباه والأمثال المنصوصة، أو مما ثبت أصله عند أهل العلم. أما نَظَرُ المُحَدِّث؛ فَمصْروفٌ بالكلِّية جِهَةَ ثُبُوتِ اللفظِ مُسْندًا إلى الرسول ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ بشروط الصحة. ثُمَّ إنَّ توسُّعَ الإمام الشافعي (رحمة الله عليه) في أنواع العاضد للخَبَرِ المُرْسَلِ لا يُناسِب دِقَّةَ الاحتجاج في أبواب العقيدة؛ لا سِيَّمَا أنَّ الإمام لا يرى الحجَّة تَثْبُتُ بالخَبَر المُرْسَلِ ثبوتها بالحديث المتصل الإسناد.

وأيًّا ما كان الأمر في حكم المرسل؛ فإن إرسال عطاء بن أبي رباح واهٍ ضعيفٌ عند علماء الحديث والرجال؛ فقد قال علي بن المَدِينِيّ، عن يحيى بن سعيد القطان: مرسلات مجاهد أحب إلي من مرسلات عطاء بكثير .. كان عطاء يأخذ عن كل ضرب. وقال الفضل بن زياد، عن أحمد بن حنبل: مرسلات سعيد بن المُسَيَّب أصح المرسلات، ومرسلات إبراهيم النخعي لا بأس بها، وليس في المرسلات شيء أضعف من مرسلات الحسن وعطاء بن أبي رباح؛ فإنهما كانا يأخذان عن كل أحد [116].

وإذا تجوّزنا في إرسال عطاء ونقلنا الكلام إلى رواية حبيب عنه؛ فسنجد في كتب العلل والرجال أن حديث حبيب بن أبي ثابت عن عطاء غير محفوظ؛ ففي كتاب "العلل ومعرفة الرجال" لأحمد بن حنبل أن يحيى بن سعيد القطان قال: حبيب بن أبي ثابت عن عطاء ليس محفوظا [117]. وقال ابن حجر: "قال القطان: له غير حديث عن عطاء لا يتابع عليه، وليست محفوظة" [118].

نقول هذا كلَّه في بيان رأي الإمام ابن خزيمة الذي ذهب إلى أنَّ رواية سفيان الثوري هي الأقوى إسنادا إلى عطاء، وأعلَّ رواية الأعمش بالعنعنة مع التدليس وبمخالفة سفيان، وأضاف إلى ذلك عنعنة حبيب بن أبي ثابت، وهو مُدَلِّسٌ أيضا. ثُمَّ قال عن الاحتجاج بالخبر من الطريقين جميعا: "ومثل هذا الخبر لا يكاد يحتج به علماؤنا من أهل الأثر، لا سيما إذا كان الخبر في مثل هذا الجنس، فيما يُوجِبُ العلمَ لو ثبت، لا فيما يوجب العمل بما قد يُسْتَدَلُّ على صحته وثبوته بدلائلَ من نظَرٍ، وتشبيه، وتمثيل بغيره من سنن النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ من طريق الأحكام والفقه" [119].

لكن المعترض قد يجد في دفع نقد الإمام ابن خزيمة ــ الذي بَيَّنْتُه واعتمدت عليه في إعلال رواية الأعمش بمخالفة الثوري ــ سبيلا بالاستناد إلى كلام عمدة أهل المصطلح، الشيخ تقي الدين أبي عمرو عثمان بن الصلاح الشهرزوري (ت 643هـ)، عن الحديث الذي رواه بعض الثقات مرسلا وبعضهم متصلا؛ حيث قال: "اختلف أهل الحديث في أنه مُلْحَقٌ بِقَبِيل الموصول، أو بقبيل المُرْسَل. مثاله: "لا نكاح إلا بولي" [120]. رواه إسرائيل بن يونس في آخرين عن جده أبي إسحاق السَّبِيعي، عن أبي بُرْدةَ، عن أبيه أبي موسى الأشعري، عن رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ هكذا مُتَّصِلا .. ورواه سفيان الثوري، وشعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي بُرْدة، عن النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ مُرْسَلا هكذا. فحكى " الخطيب الحافظ" أنَّ أكثر أصحاب الحديث يرون الحكم في هذا وأشباهه للمرسل. وعن بعضهم أنَّ الحكم للأكثر. وعن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير