تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأول شيء ألفت الأنظار إليه أنَّ هذا الرأي الذي انتصر له الشيخ ابن الصلاح في الحكم لمن أسند الحديث إذا رواه بعض الثقات مرسلا وبعضهم متصلا ــ مُخالفٌ لمذهب أكثر المحدثين، كما حكاه الخطيب البغدادي وصدقه ابن الصلاح نفسه حينما أشار إلى أن ما صحَّحه الخطيب من الحكم لمن أسند إنما هو الصحيح في "الفقه وأصوله". والخارجون عن حد مذهب الكثرة لم يتفقوا على إطلاق قَبُول وَصْل الثقة وزيادته في هذه المسألة خاصَّةً؛ فمنهم من حكم للأكثر، ومنهم من حكم للأحفظ. وهذا يعني أنّ الجمهور الغالب من المحدثين لو نظروا إلى تَفُرُّدِ الأعمش بوصل رواية "على صورة الرحمن" قُبالة إرسال سفيان الثوري لها؛ لحكموا لإرسال سفيان كما فعل ابن خزيمة سواء بسواء.

وقد قال الحافظ صلاح الدين العلائي في ترجيح رفض الإمام أحمد لِحُجِّيةِ الأخبار المرسلة: "وكلام الإمام أحمد بن حنبل في العلل يدل على ترجيح هذا القول؛ لأنه وكُلَّ من يَعْلم عِلْمَ عِلَلِ الحديث يعترض على ما رُوِيَ مُسندا بالإرسال له من بعض الطرق، ويُعَلِّلُه به. فلو كان المُرْسَل حُجَّةً لازمة لما اعترض به" [128].

ولقد اتفقت كلمة ابن الصلاح مع غيره على أنّ الحديث المعلَّل هو الذي اطُّلِعَ فيه على عِلَّةٍ تَقْدَحُ في صحّته مع أن ظاهره السلامة .. قال الشيخ: "ويَتطَرَّقُ ذلك إلى الإسناد الذي رجاله ثقات، الجامعِ شروطَ الصحة من حيثُ الظاهرُ. ويُستعان على إدراكها بتفرُّد الراوي وبمخالفة غيره له، مع قرائن تنضم إلى ذلك تُنبِّه العارفَ بهذا الشأن على إرسال في الموصول، أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث ...

(قال ابن الصلاح:) وكثيرا ما يُعَلِّلون الموصول بالمرسل؛ مثل أن يجيء الحديث بإسناد موصول، ويجيء أيضا بإسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول. ولهذا اشتملت كتب علل الحديث على جميع طرقه. قال "الخطيب أبو بكر": السبيل إلى معرفة علة الحديث أن يُجمعَ بين طرقه، ويُنظَرَ في اختلاف رواته، ويُعتَبرَ بمكانِهم من الحفظ ومَنْزلتِهم في الإتقان والضبط. وروي عن "علي بن المديني" قال: الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتَبَيَّنْ خطؤه" [129].

وقد صرَّح ابن الصلاح أيضا بأن من علل الإسناد ما يقدح في صحة الإسناد والمتن جميعا كما في التعليل بالإرسال والوقف [130].

وأما حديث "لا نكاح إلا بولي" الذي رواه إسرائيل بن يونس في آخرين، عن جده أبي إسحاق السَّبيعيّ، عن أبي بُرْدة، عن أبيه أبي موسى الأشعري مرفوعا. وذكر ابن الصلاح أنه قد رواه سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة مرسلا. ثُمَّ ذكر أن الإمام البخاري حكم لمن وصله وقال: الزيادة من الثقة مقبولة. مع أن اللذين أرسلاه جبلان لهما من الحفظ والإتقان الدرجة العالية؛ فهذه الحكاية غير مسلمة للشيخ ابن الصلاح، وقد نقل السَّيُوطي في "تدريب الراوي" أن الإمام البخاري لم يحكم بذلك لمجرد الزيادة؛ "بل لأن لحذاق المحدثين نظرا آخر، وهو الرجوع في ذلك إلى القرائن دون الحكم بحكم مطرد، وإنما حكم البخاري لهذا الحديث بالوصل؛ لأن الذي وصله عن أبي إسحاق سبعة، منهم إسرائيل حفيده وهو أثبت الناس في حديثه؛ لكثرة ممارسته له. ولأن شعبة وسفيان سمعاه منه في مجلس واحد بدليل رواية الطيالسي في مسنده قال حدثنا شعبة قال سمعت سفيان الثوري يقول لأبي إسحاق أحدثك أبو بردة عن النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ، فذكر الحديث، فرجعا كأنَّهما واحد؛ فإن شعبة إنما رواه بالسماع على أبي إسحاق بقراءة سفيان. وحكم الترمذي في جامعه بأن رواية الذين وصلوه أصح، قال: لأن سماعهم منه في أوقات مختلفة، وشعبة وسفيان سمعاه في مجلس واحد، وأيضا سفيان لم يقل له: ولم يُحَدِّثْك به أبو بُرْدَة إلا مُرْسلا، وكان سفيان قال له: أسمعت الحديث منه؟ فقصده إنما هو السؤال عن سماعه له لا كيفية روايته له" [131].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير