تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ورغم هذا كله رُوِيَ عن بعض المحدثين تصحيح رواية "صورة الرحمن"؛ مثل: الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهُويه من المتقدمين، وقد رأينا تعليق الإمام الحاكم على روايته. وذهب إلى صحتها من المتأخرين الحافظ شمس الدين الذهبي، وابن حجر العسقلاني. وقد تمسك بعض المعاصرين بهذا التصحيح دون أن يشغلوا أنفسهم بالبحث والتنقيب، واكتفوا بالمتابعة وترديد أن رجال رواية الأعمش ثقات من رجال الصحيحين. وفاتهم أنه لا يلزم في كل حديث رواه رجال البخاري ومسلم أن يكون صحيحا ثابتا؛ فلتصحيح الحديث عند الشيخين اعتبارات. ومن ذا الذي يقول: إن البخاري ومسلما إذا أخرجا حديث رجل؛ كانت كل رواياته مقبولة صحيحة عند أهل الحديث؟! ‍‍‍ [165].

ومن ذلك نَقْلُ الحافظ ابن حجر: "قال حرب الكرماني في كتاب "السنة": سمعت إسحاق بن راهُويه يقول: صح أنَّ الله خلق آدم على صورة الرحمن. وقال إسحاق الكوسج: سمعت أحمد يقول: هو حديث صحيح. وقال الطبراني في كتاب "السنة": حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: قال رجل لأبي: إن رجلا قال: "خلق الله آدم على صورته" أي صورة الرجل. فقال: كذب هو قول الجهمية" [166].

وفي ترجمة حمدان بن الهيثم قال الحافظ الذهبي: "قال يحيى بن منده في "مناقب أحمد": قال المظفر بن أحمد الخياط في كتاب "السنة": وحمدان بن الهيثم يزعم أن أحمد قال: صَوَّر الله صورةَ آدم قبل خلقه. وأبو الشيخ يُوَثِّقُه في كتاب "الطبقات". ويدل على بطلان روايته ما رواه أحمد بن علي الوراق، الذي هو أشهر من حمدان بن الهيثم وأقدم، أنه سمع أحمد بن حنبل وسأله رجل عن حديث "خلق الله آدم على صورته": على صورة آدم؟ فقال أحمد: فأين الذي يروى عن النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ أن الله خلق آدم على صورة الرحمن؟ ثم قال أحمد: وأي صورة لآدم قبل أن يخلق؟! …

وقيل: إن أبا عمرو بن عبد الوهاب هجر أبا الشيخ لمكان حكاية حمدان، وقال: إن أردت أن أُسَلِّمَ عليك؛ فأخْرِجْ من كتابك حكايةَ حمدان بن الهيثم" [167].

وأنا لا أجد غَضاضةً أو غَرابةً في ذهاب الإمام إسحاق بن راهُويه إلى تصحيح رواية خلق آدم على صورة الرحمن؛ فهو أحد رواة الحديث عن جرير، وقد سمعه خلال السنوات الأربع الأولى بعد مبدأ ارتحاله في طلب الحديث، كما سبق أن بَيَّنْتُ. وهذا يعني أن هذه الرواية كانت من معارف ابن راهُويه الأولى؛ فكانت بعض أصوله العلمية التي مَثَّلَتْ عنده العمق الثقافي الراسخ في نفسه، فهو يحتكم إليه ويقيس عليه ما يأتي بعد. وإذا أضفنا إلى ذلك أن رجال الإسناد من جرير إلى مُنتهاه ثقات عدول؛ فلا غرابة أن يُرْوَى عن إسحاق تصحيح رواية "صورة الرحمن" التي تحملها في مبدأ الطلب ..

أما الإمام أحمد بن حنبل؛ ففي النفس شيء من ثبوت نقل تصحيحه لرواية "صورة الرحمن"؛ فالإمام صرح ــ كما نقلت من قبل ــ بأن عطاءً لم يسمع من ابن عمر، وهو لم يُخْرِجْ هذا اللفظ في مسنده رغم توسعه في تكرار رواية "خلق الله آدم على صورته" ــ في المقامين اللذين أشرت إليهما من قبل، وحَدَّدت مفهومَ الحديث في إطاريهما ــ من طرق متعددة عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ ورغم تكراره لرواية النهي عن ضرب الوجه بدون تعليل عن أبي هريرة، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر ــ رضي الله عنهم.

ومما أخرجه عن ابن عمر أسوق الروايتين التاليتين:

1 ــ قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا حنظلة، عن سالم، عن أبيه (أي عبد الله ابن عمر) قال نهى رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ أن نضرب الصور ــ يعني الوجوه.

2 ــ وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن الحارث، حدثني حنظلة، عن سالم، عن عبد الله بن عمر أنه كان يكره العَلْمَ في الصور، وقال: نهى رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ عن ضرب الوجه [168].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير