تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأنا لا أجزم بأن الإمام أحمد أخرج في مسنده كل ما صَحَّ عنده، كما لا يجزم أحدٌ بأن كل ما في المسند من أحاديث صحيح؛ ففيه الصحيح والحسن والضعيف. لكن يَبْقَى في النفس من رواية تصحيح الإمام للحديث شيء؛ إلا أن يكون حكمه على رواية الأعمش من طريق قرينة إسحاق أو غيره سابقا لمعرفته أنَّ عطاءً لم يسمع من ابن عمر، وأن يكون ذلك الحكم أيضا بمعزل عن رواية أبي الربيع الزهراني وأبي معمر القطيعي، وبمعزل عن رواية سفيان الثوري المرسلة؛ ففي كتاب "العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد أمثلة للترجيح بين الروايات واختيار الأضبط والأوثق [169]، وقال الحافظ صلاح الدين العلائي في ترجيح رفض الإمام أحمد لحجية الأخبار المرسلة: "وكلام الإمام أحمد بن حنبل في العلل يدل على ترجيح هذا القول؛ لأنه وكُلَّ من يَعْلم عِلْمَ عِلَلِ الحديث يعترض على ما رُوِيَ مُسندا بالإرسال له من بعض الطرق، ويعلله به. فلو كان الُمرسل حجة لازمة لما اعترض به" [170].

وقد أشار أبو يعلى إلى ما يدعم هذه الريبة في نفسي؛ فقال: "فإن قيل: الزيادة المذكورة في حديث ابن عمر "خلق الله آدم على صورة الرحمن" غير صحيحة، وقد قال أحمد في رواية المروزي: الأعمش يقول: عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء، عن ابن عمر "إن الله خلق آدم على صورة الرحمن". وأما الثوري؛ فيوقفه ــ يعني حديث ابن عمر ــ وقد رواه أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ "على صورته" فنقول كما جاء.

(قال أبو يعلى): فَبَيَّنَ أن بعضهم وقفه، وبعضهم وصله.

قيل: هذه الزيادة صحيحة ثابتة، حدثنا بها أبو القاسم عبد العزيز من الطريق الذي ذكرنا، وذكرها أبو الحسن الدارقطني فيما خرجه من أخبار الصفات، وذكرها أبو بكر أحمد بن سلمان النجاد (ت 348هـ) في "السنة"، وذكرها أبو عبد الله بن بطة (ت 387هـ) في كتاب "الإبانة"، ولا يجوز أن يتطابق هؤلاء الحفاظ على نقل زيادة باطلة أو ضعيفة.

والذي حكاه أحمد عن الثوري، وأنه وقفها لا يدل على ضعفها؛ لأنه يجوز أن لا تقع له هذه الزيادة وتقع لغيره، ومثل هذا لا ترد به الأخبار" [171].

ونَقَلَ القاضي أبو يعلى في موضع آخر عن أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان ابن شاقلا البغدادي البزار (ت 369هـ) أنه قال في رواية "صورة الرحمن": هذا الحديث يذكر إسحاق بن راهُويه أنه صحيح مرفوع. وأما أحمد؛ فذكر أن الثوري وقفه على ابن عمر.

وكلاهما حجة؛ لأنه إن كان مرفوعا؛ فقد سقط العذر، وإن كان من قول ابن عمر؛ فهو أولى" [172].

وهذا الكلام لا يستقيم عند أكثر أهل صناعة الحديث؛ فمِنْ عِلَلِ الحديث أن يُروى مرفوعا من وجه وموقوفا من وجه [173]. على أن رواية الثوري، كما نقلت فيما سبق عن ابن خزيمة، مرسلة. ولعل هذا هو مراد الإمام أحمد؛ فلم تكن اصطلاحات الحديث قد استقرت في عصره على ما نطلقه بعد الشيخ أبي عمرو عثمان بن الصلاح الشهرزوري. وقد أشار الأستاذ وصي الله بن محمد عباس، محقق كتاب "العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد بن حنبل، إلى أن الإمام كان يُسَمِّي المُنْقَطِعَ مُرْسَلا [174]، كما أشار في مقدمة تحقيقه إلى أن الإمام استوعب في كتابه أكثر أجناس العلل؛ فكان يذكر الأحاديث المُعَلَّة ويُبَيِّنُ نوعَ العِلَّةِ فيها من إرسال، أو اضطراب، أو إدراج، أو تصحيف ... [175].

وإذا دَقَّقْنا في كلام الإمام أحمد الذي نقله القاضي؛ لوجدنا قوله: "فنقول كما جاء" متعلقا برواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ولفظها: "على صورته"، وهي التي أخرجها الإمام أحمد في مسنده. وأقَلُّ ما يؤخذ من كلام القاضي هنا إثبات اعتراض الإمام أحمد على رواية الأعمش المتصلة الإسناد.

وأيًّا ما كان الأمر أقول: لئن بلغنا تصحيح ابن راهُويه والإمام أحمد لرواية "صورة الرحمن" غُفْلا من البيان، وجاءنا إعلال ابن خزيمة لرواية الأعمش، أو بيان غيره لضعف رواية ابن لهيعة، وكان ذلك مفسرا ظاهرا؛ فكلام ابن خزيمة ومن هو أقلُّ منه أولى بالقبول .. ألا يقول أهل هذا الشأن: قول من جرح مقدم على قول من عدل؛ لأن التعديل يكون عند انتفاء التهمة، والجرح عند ثبوت العلم بها، ومن علم حجة على من لم يعلم؛ خاصة عندما يكون الجرح مفسرا ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير