أما الحافظ الذهبي أبو عبد الله محمد بن عثمان الدمشقي (ت 748هـ)؛ فجاء كلامه عن الحديث في ترجمته لأبي الزناد عبد الله بن ذكوان؛ ردا على حكاية للإمام مالك ذكرها العقيلي في كتاب "الضعفاء الكبير" .. روى العقيلي بإسناده إلى عبد الرحمن بن قاسم قال: سألت مالكا عمن يحدث بالحديث الذي قالوا: "إن الله خلق آدم على صورته". وأنكر ذلك مالك إنكارا شديدا، ونهى أن يتحدث به أحد. فقيل له: إن ناسا من أهل العلم يتحدثون به. فقال: من هم؟ *فقيل: محمد بن عجلان عن أبي الزناد*. فقال: لم يكن يعرف ابن عجلان هذه الأشياء، ولم يكن عالما.
وذُكِرَ أبو الزناد؛ فقال: إنه لم يزل عاملا لهؤلاء حتى مات، كان صاحب عمال يتبعهم [176].
وقال الحافظ الذهبي: "الحديث في أن الله خلق آدم على صورته ــ لم ينفرد به ابن عجلان؛ فقد رواه همام، عن قتادة، (عن أبي أيوب المراغي)، عن أبي هريرة. ورواه شعيب وابن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. ورواه معمر، عن همام، عن أبي هريرة. ورواه جماعة كالليث بن سعد وغيره، عن ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة. ورواه شعيب وغيره، عن أبي الزناد، عن موسى بن أبي عثمان (التبان، عن أبيه)، عن أبي هريرة.
ورواه جماعة عن ابن لهيعة، عن الأعرج وأبي يونس، عن أبي هريرة.
ورواه جرير، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، (عن عطاء بن أبي رباح)، عن ابن عمر، عن النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ.
قلت (أي الذهبي): وهو مخرج في الصحاح. وأبو الزناد فعمدة في الدين، وابن عجلان صدوق من علماء المدينة وأجلائهم ومفتيهم، وغيره أحفظ منه.
أما معنى حديث الصورة؛ فنرُدُّ علمَه إلى الله ورسوله، ونسكت كما سكت السلف، مع الجزم بأن الله ليس كمثله شيء" [177].
ومن الواضح أن أصل كلام الذهبي هنا عن حديث "خلق الله آدم على صورته"، وهو الذي حكم عليه بقوله: "وهو مخرج في الصحاح". قبالة رأي الإمام مالك في الإنكار على روايتي ابن عجلان وأبي الزناد. وقد اعتبر الذهبي رواية ابن لهيعة عن الأعرج وأبي يونس، ورواية الأعمش عن حبيب من باب التوابع والشواهد في رد رأي الإمام مالك.
والذي يؤخذ هنا على الحافظ الذهبي أنه طرد الكلام في طرق الأسانيد التي ذكرها في تعزيز ثبوت قول الرسول ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ: "خلق الله آدم على صورته". وكأنها ترجع جميعا إلى مقام واحد يعود فيه الضمير إلى الله ــ تعالى. وهو هنا يسلك طريقا قريبا من طريق أهل "المستخرجات"؛ فيذكر اللفظ المخرج في الصحيح، ثم يورد الطرق المختلفة لرواياته، بغض النظر عن اختلاف الألفاظ، أو اختلاف مقامات موردها عن رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ. وهذا العمل (أعني طريقة المستخرجات) إذا كان له دور في توثيق روايات الصحيح، وبيان الروابط بين كتب السنة؛ لمعرفة التام والناقص من روايات الحديث، مما له أكبر الفائدة في معرفة فقه الحديث؛ لكنه لا يفيد هذه الفائدة في حديثنا هذا لاختلاف مورده في مقامين منفصلين لكل واحد منهما مفهوم خاص يختلف عن الآخر ..
أما الحافظ ابن حجر العسقلاني أحمد بن علي بن محمد بن علي (ت 852هـ)؛ فجاء رأيه في الكلام على رواية الإمام مسلم من طريق ابن حاتم، التي ذكرها في شرح حديث البخاري في كتاب العتق ــ باب إذا ضرب العبد فليجتنب الوجه .. قال: "واختلف في الضمير على من يعود؟ فالأكثرون على أنه يعود على المضروب …
وقال القرطبي: أعاد بعضهم الضمير على الله متمسكا بما ورد في بعض طرقه: "إن الله خلق آدم على صورة الرحمن". قال: وكأنَّ من رواه أورده بالمعنى متمسكا بما تَوَهَّمَه؛ فغلط في ذلك.
وقد أنكر المازَرِيُّ ومن تبعه صحة هذه الزيادة، ثم قال: وعلى تقدير صحتها فيحمل على ما يليق بالباري ــ سبحانه وتعالى.
قلت (أي ابن حجر): الزيادة أخرجها ابن أبي عاصم في "السنة" والطبراني من حديث ابن عمر بإسناد رجاله ثقات. وأخرجها ابن أبي عاصم أيضا من طريق أبي يونس عن أبي هريرة بلفظ يرد إلى التأويل الأول. قال: "من قاتل فليجتنب الوجه؛ فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن".
فتعين إجراء ما في ذلك على ما تَقَرَّرَ بين أهل السنة من إمراره كما جاء من غير اعتقاد تشبيه، أو من تأويله على ما يليق بالرحمن جل جلاله" [178].
¥