وكلام ابن حجر هذا جيد، وهو الظاهر من القصة المذكورة.
وقد روى ابن حبان – في «الثقات» - الكلامَ السابقَ من قول يزيد بن السمط، لا الأوزاعي، ولعله أخذه عنه، ثم عقب عليه قائلا:
«هذا الذي قاله يزيد بن السمط ليس بشيء يحكم به على الإطلاق، وكيف يكون قرة بن عبد الرحمن أعلم الناس بالزهري وكل شيء روى عنه لا يكون ستين حديثا؟ بل أتقن الناس في الزهري مالك ومعمر والزبيدي ويونس وعقيل وابن عيينة هؤلاء الستة أهل الحفظ والإتقان والضبط والمذاكرة وبهم يعتبر حديث الزهري إذا خالف بعض أصحاب الزهري بعضا في شيء يرويه». اهـ.
قلت: كلام ابن حبان هذا وجيه جدا، ولا اعتراض عليه، وليته – إذ قرره هنا - مشى عليه في صحيحه، فإنه قد أدخل حديثنا هذا في صحيحه من رواية قرة عن الزهري، مع مخالفة قرة لثلاثة من أصحاب الزهري الذين ذكرهم، ولغيرهم أيضا، ممن ذكرتهم في أول الجزء.
وأخرج – أعني ابنَ حبان- له حديثاً آخرَ منكراً، وهو حديثُه عن الزهريِّ عن أبي سلمةَ عن أبي هريرةَ 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - عن النبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع» وهذا منكر عن الزهري، رواه يونس وعقيل وشعيب وسعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مرسلا، وأعله أبو داود والنسائي والدارقطني والبيهقي، وليس هذا مجال تخريجه، والمقصود أن قرة أخطأ فيه على الزهري.
انظر: التاريخ الكبير (7/ 183) الجرح والتعديل (7/ 131) المعرفة والتاريخ (2/ 267) سؤالات الآجري (1525) الضعفاء (3/ 485) الكامل (6/ 53) ثقات العجلي (1518) وابن حبان (7/ 342) تهذيب الكمال (23/ 581). وينظر: سؤالات ابن طهمان (179) سنن الدارقطني (1/ 229) [عن حاشية تهذيب الكمال]
وقد تلخص لي بعد النظر في عبارات الأئمة والتتبع لحديث قرة أنه ضعيف الحديث مطلقا، أما إذا تفرد عن مثل الزهري فحديثه – حينئذ – أشد ضعفا.
وقد وجدت له أحاديث أخر تفرد بها عن الزهري، ووجدت له غير حديث عن الزهري يشركه فيها غيره من الأئمة، مما يدل على أن له أحاديثَ مستقيمةً، وأن ضعفه غير شديد، إلا أنه قد يعكر على هذه التي شاركه فيها غيره أن أغلبها لا يصح سندها إليه، فالله أعلم بحقيقة الأمر ().
أما حيث يتابع على حديثه فحديثه – حينئذ – مقبول، ما لم يكن هناك علة أخرى، وعليه يحمل توثيق الفسوي له.
هذا ما بلغه اجتهادي، والله الموفق وحده لا شريك له.
وقد أعل البخاري في تاريخه هذه الرواية، فقال: «وقال بعضهم: عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ولا يصح إلا عن علي بن حسين، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -».
وكذا البيهقي حيث قال بعد تخريجها في الشعب: إسناد الأول – يعني المرسل – أصح.
وهذه الرواية التي سبق بيان علتها هي المشهورة عن الأوزاعي، وقد وردت عن الأوزاعي روايتان أخريان غير هذه، ولا يثبتان عند التحقيق.
ومن هذه الروايات – وهي الرواية الثانية عن أبي سلمة-:
- الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة:
وجاء عن الأوزاعي هكذا من رواية:
1 - بقية بن الوليد، كما عند ابن بطة في «الإبانة» (1/ 411) برقم (323) - ومن طريقه ابن البناء الحنبلي في «الرسالة المغنية في السكوت ولزوم البيوت» (ص49) برقم (35) - عن أبي علي الحلواني عن أبي يوسف يعقوب بن يوسف بن دينار البغدادي، عن يزيد بن عبد ربه عن بقية به.
وأبو علي إسحاق بن إبراهيم الحلواني، ذكره الخطيب في تاريخه (6/ 398) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
ويعقوب بن سفيان بن دينار البغدادي، ذكره الخطيب في تاريخه (14/ 287) وهو كسابقه.
وبقية يدلس التسوية، وقد عنعن، ولا بد من تصريحه بالسماع في طبقة شيخه وشيخ شيخه، وأخشى أن يكون بقية قد أسقط قرة، فسوى الحديث عن الزهري.
ثم تبين لي ذلك بحمد الله، فقد قال ابن أبي العقب في فوائده (): حدثنا أبو عبد الملك، ثنا سليمان بن سلمة الخبائري، ثنا بقية بن الوليد، ثنا الأوزاعي، عن قرة بن عبد الرحمن، عن الزهري، به.
2 - عمر بن عبد الواحد، ذكره الدارقطني في العلل (1389).
¥