فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة، ثم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه، ولم يبين ما فيه لغيره ممن جهل معرفته؛ كان آثماً بفعله ذلك، غاشاً لعوام المسلمين؛ إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها أو يستعمل بعضها، ولعلها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها ... إلخ».
قال ابن رجب رحمه الله: «وظاهر ما ذكره مسلم في مقدمة كتابه يقتضي أنه لا يروي أحاديث الترغيب إلا عمن تروى عنه الأحكام» (). وهذا ظاهر كلام ابن حبان رحمه الله في كتابه المجروحين فإنه أوجب في المقدمة [1/ 6، 7، 25] لمن يروي الحديث – التمييز بين الصحيح والسقيم ولم يفرق بين ما كان في فضائل الأعمال وبين ما كان في الأحكام
وممن قال أيضاً: إنه لا يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال: ابن العربي رحمه الله، صاحب كتاب «أحكام القرآن» في أحد قوليه والخطابي صاحب «معالم السنن»، وابن حزم نص في غير كتاب من كتبه، وأبو شامة رحمه الله في كتابه «البدع والحوادث»
وأما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ فإنه قال في «الفتاوى» (ج1/ 250): «ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة، لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب: وذلك أنَّ العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي، وروى في فضله حديث لا يعلم أنه كذب؛ جاز أن يكون الثواب حقاً، ولم يقل أحد من الأئمة: إنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف، ومن قال هذا؛ فقد خالف الإجماع، وهذا كما أنه لا يجوز أن يحرم شيء إلا بدليل شرعي، ولكن إذا علم تحريمه، وروي حديث في وعيد الفاعل له، ولم يعلم أنه كذب؛ جاز أن يرويه، فيجوز أن يروي في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أنه كذب، لكن فيما علم أن الله رغب فيه أو رهب منه بدليل آخر غير هذا الحديث المجهول حاله.
وهذا كالإسرائيليات، يجوز أن يروي منها ما لم يعلم أنه كذب للترغيب والترهيب فيما علم أن الله تعالى أمر به في شرعنا ونهى عنه في شرعنا، فأما أن يثبت شرعاً لنا بمجرد الإسرائيليات التي لم تثبت؛ فهذا لا يقوله عالم، ولا كان أحمد بن حنبل وأمثاله من الأئمة يعتمدون على مثل هذه الأحاديث في الشريعة، ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح ولا حسن؛ فقد غلط عليه ... » إلخ.
وقال رحمه الله (10/ 408) من «الفتاوى»: «ولا يجوز أن يقال: إن هذا مستحب أو مشروع؛ إلا بدليل شرعي، ولا يجوز أن يثبت شريعة بحديث ضعيف، لكن إذا ثبت أن العمل مستحب بدليل شرعي، وروي له فضائل بأسانيد ضعيفة جاز أن تروى إذا لم يعلم أنها كذب وذلك أن مقادير الثواب غير معلومة، فإذا روي في مقدار الثواب حديث لا يعرف أنه كذب؛ لم يجز أن يُكذِّب به، وهذا هو الذي كان الإمام أحمد بن حنبل وغيره يرخصون فيه وفي روايات أحاديث الفضائل، وأما أن يثبتوا أن هذا عمل مستحب مشروع بحديث ضعيف، فحاشا لله ... » إلخ.
وقال في «الآداب الشرعية» (). (2/ 304): «وعن الإمام أحمد ما يدل على أنه لا يعمل بالحديث الضعيف في الفضائل والمستحبات، ولهذا لم يستحب صلاة التسبيح؛ لضعف خبرها عنده، مع أنه خبر مشهور عمل به، وصححه غير واحد من الأئمة، ولم يستحب أيضاً التيمم بضربتين على الصحيح عنه، مع أن فيه أخباراً وآثاراً ... ».
وهذا القول فيه قوة وهو ظاهر المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم فلم يرد عنهم التساهل في التثبت فيما جاء في الفضائل دون غيرها وقد تقدم قصة عمر في التثبت ولم يقل هذا في الفضائل لا حاجة بنا إلى التثبت لأن الأحكام الشرعية من واجبات ومندوبات متساوية، إذ الكل شرع من عند الله، لا فرق بينها إلا بدليل شرعي، ولا يحل القول بأن هذا مستحب أو هذا واجب إلا بما صح عن النبي ?، وإلا كان هذا من القول على الله بلا علم، وهذا هو الذي تطمئن له النفس علماً أنه قلما يخلو حديث ضعيف من أحاديث الفضائل إلا وهو مشتمل على أمر غيبي فالتأمل في روايته والأمر هكذا خطأ يفضي إلى شر كبير والله أعلم.
* تنبيه:
بما نقلناه عن هؤلاء الأئمة، خصوصاً من كان قبل النووي، يتبين ضعف كلام النووي من نقله الاتفاق على العمل بالحديث الضعيف.
¥