دفع ما صحت به الآثار من قوله لأصحابه فى أهل القليب: «ما أنتم بأسمع منهم»، ولا فى إنكار من أنكر ما ثبت من قوله: «إنه ليسمع قرع نعالهم» إذا كان قوله: {وما أنت بمسمع من فى القبور} [فاطر: 22]، و {إنك لا تسمع الموتى} [النمل: 80] محتملاً من التأويل وجهًا سوى ما تأوله من زعم أن الميت لا يسمع كلام الأحياء، وذلك أن يكون معناه: فإنك لا تسمع الموتى بطاقتك وقدرتك، إذ كان خالق السمع غيرك، ولكن الله هو الذى يُسمعهم.
وذلك نظير قوله: {وما أنت بهاد العمى عن ضلاتهم} [النمل: 81] وذلك بالتوفيق والهداية بيد الله دون من سواه، فنفى عن نبيه أن يكون قادرًا أن يسمع الموتى إلا بمشيئة، كما نفى أن يكون قادرًا على هداية الضلال إلا بمشيئته، وإنما أنت نذير، فبلغ ما أُرسلت به.
والثانى: أن يكون المعنى: فإنك لا تسمع الموتى إسماعًا ينتفعون به، لأنهم قد انقطعت عنهم الأعمال، وخرجوا من دار العمل إلى دار الجزاء، فلا ينفعهم دعاؤك إياهم إلى الإيمان بالله وبطاعته، فكذلك هؤلاء الذين كتب عليهم ربك أنهم لا يؤمنون، لا يسمعهم دعاؤك إياهم إسماعًا ينتفعون به، لأن الله قد حتم عليهم ألا يؤمنوا، كما حتم على أهل القبور من أهل الكفر أنهم لا ينفعهم بعد كونهم فى القبور عمل، لأن الآخرة ليست بدار امتحان، وإنما هى دار جزاء) 5/ 405
وأما عتبك على الإمام ابن القيم رحمه الله واستغرابك لما أورده في كتابه الروع فالغرابة في استغرابك لا فيما قاله الإمام فقوله مبني على أدلة أوردها وإنما اجتزأت منه استدلاله بالمعقول وتركت ماأورده من المنقول سواء من اقوال الصحابة وأفعالهم أو من تبعهم. ولا تنسى أخي أن هذا قول الإمام ابن تيمية رحمه الله: (وقال شيخ الإسلام في المجموع (20/ 33 - 36): "والخطأ المغفور في الاجتهاد هو في نوعي المسائل الخبرية والعلمية كما بسط في غير [هذا] الموضع. كمن اعتقد ثبوت شيء لدلالة آية أو حديث، وكان لذلك ما يعارضه ويبين المراد ولم يعرفه، مثل من اعتقد أن الذبيح اسحق لحديث اعتقد ثبوته، أو اعتقد أن الله لا يُرى، لقوله: ?لا تدركه الأبصار? [الأنعام/ 103]، ولقوله: ?وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيًا أو من وراء حجاب? [الشورى/ 51]، كما احتجت عائشة بهاتين الآيتين على انتفاء الرؤية في حق النبي (، وإنما يدلان بطريق العموم.
وكما نقل عن بعض التابعين أن الله لا يُرى، وفسروا قوله: ?وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة? [القيامة/22]، بأنها تنتظر ثواب ربها، كما نقل ذلك عن مجاهد وأبي صالح.
أو من اعتقد أن الميت لا يعذب ببكاء الحي، لاعتقاد أن قوله تعالى: ?ولا تزر وازرة وزر أخرى? [فاطر/18] يدل على ذلك، وأن ذلك يقدم على رواية الراوي لأن السمع يغلط، كما اعتقد ذلك طائفة من السلف والخلف.
أو أعتقد أن الميت لا يسمع خطاب الحي، لاعتقاده أن قوله: ?إنك لا تسمع الموتى? [النمل/80] يدل على ذلك.) فهل تستغرب أم يزول استغرابك
ـ[أبو عامر خالد]ــــــــ[30 - 08 - 08, 12:55 م]ـ
بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله ?
ثم أما بعد،
فأني أسال الله تعالى أن يهدينا إلى صحيح القول و العمل و أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، و أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم و يغفر لكم ذنوبكم و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزا عظيما}.
أخي العزيز نزيه و فقك الله، قولك: (ولكن أخي الكريم كان عليك أن تأتي بأقوال العلماء في المسألة القائلين بسماع الميت والمنكرين له حتى يكون القارئ على بينة من الأمر , وماكنت أن يكون الرد طويلا خشية الملل من الإطالة ولكن ماكتبته يحتاج إلى شيء من التفصيل).
أقول بارك الله فيك: لايجب على المستفتى أن يأتي بأقوال العلماء الموافقة و المخالفة لفتواه في كل مسألة يسأل عنها و لكنه يجيب بما ترجح لدية، فإذا طلب السائل مزيد بيان أو تفصيل جاءه به- إن استطاع و أسعفه الوقت- و إلا فيحيله إلى مرجع أو بحث مفصل في المسألة، و ذلك ما فعلت.
أما إجابتك عن السؤال الثاني: هل يعلم الميت من هو المتكلم الزائر؟ و كان ردك: (فكما أنه يزورك شخص فتسمعه وتراه ولا تعرف من حاله شيء وربما لا تعرفه إطلاقا)
أقول: كان يكفيك أن توافقني فتقول لا يعرفه- و خير الكلام ما قل و دل.
¥