تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أحمد الأقطش]ــــــــ[20 - 03 - 09, 10:25 م]ـ

إشكالات المتن

قال ابن حجر في الفتح (8/ 500 - 501): ((وقد استشكل الإسماعيلي هذا الحديث من أصله، وطعن في صحته، فقال بعد أن أخرجه: "هذا خبر في صحته نظر، من جهة أن إبراهيم علم أن الله لا يخلف الميعاد. فكيف يجعل ما صار لأبيه خزياً، مع علمه بذلك! ". وقال غيره: "هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعده وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) " انتهى.

والجواب عن ذلك: أن أهل التفسير اختلفوا في الوقت الذي تبرأ فيه إبراهيم من أبيه؛ فقيل: كان ذلك في الحياة الدنيا لما مات آزر مشركاً، وهذا أخرجه الطبري من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وإسناده صحيح. وفي رواية: "فلما مات لم يستغفر له". ومن طريق على بن أبي طلحة عن ابن عباس نحوه، قال: "استغفر له ما كان حياً، فلما مات أمسك". وأورده أيضاً من طريق مجاهد وقتادة وعمرو بن دينار نحو ذلك.

وقيل: إنما تبرأ منه يوم القيامة لما يئس منه حين مسخ، على ما صرح به في رواية ابن المنذر التي أشرت إليها. وهذا الذي أخرجه الطبري أيضاً من طريق عبد الملك بن أبي سليمان: سمعت سعيد بن جبير يقول: "إن إبراهيم يقول يوم القيامة: رب، والدي! رب، والدي! فإذا كان الثالثة، أخذ بيده. فيلتفت إليه، وهو ضبعان، فيتبرأ منه". ومن طريق عبيد بن عمير قال: "يقول إبراهيم لأبيه: إني كنت آمرك في الدنيا وتعصيني، ولست تاركك اليوم، فخذ بحقوي. فيأخذ بضبعيه، فيمسخ ضبعاً. فإذا رآه إبراهيم مسخ، تبرأ منه".

ويمكن الجمع بين القولين: بأنه تبرأ منه لما مات مشركاً، فترك الاستغفار له. لكن لما رآه يوم القيامة، أدركته الرأفة والرقة، فسأل فيه. فلما رآه مسخ، يئس منه حينئذ، فتبرأ منه تبرءاً أبدياً. وقيل: إن إبراهيم لم يتيقن موته على الكفر، بجواز أن يكون آمن في نفسه ولم يطلع إبراهيم على ذلك. وتكون تبرئته منه حينئذ بعد الحال التي وقعت في هذا الحديث.

قال الكرماني: فإن قلت: إذا أدخل الله أباه النار، فقد أخزاه لقوله (إنك من تدخل النار فقد أخزيته) وخزى الوالد خزي الولد، فيلزم الخلف في الوعد، وهو محال. ولو لم يدخل النار، لزم الخلف في الوعيد، وهو المراد بقوله (إن الله حرم الجنة على الكافرين). والجواب: أنه إذا مسخ في صورة ضبع وألقى في النار، لم تبق الصورة التي هي سبب الخزي، فهو عمل بالوعد والوعيد. وجواب آخر: وهو أن الوعد كان مشروطاً بالإيمان، وإنما استغفر له وفاءً بما وعده. فلما تبين له أنه عدو لله، تبرأ منه. قلت: وما قدمته يؤدي المعنى المراد، مع السلامة مما في اللفظ من الشناعة، والله أعلم)). اهـ

قلتُ: ودفاع ابن حجر رحمه الله ليس بشيء وإنما تكلّف في الجواب لأنه عزّ عليه الطعن في الحديث، فوقع في مخالفة كتاب الله من حيث لا يدري. فاعتذاره بأن ((أهل التفسير اختلفوا في الوقت الذي تبرأ فيه إبراهيم من أبيه)) مردود، لأن قوله تعالى {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلََّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} قاطعٌ بتبرُّؤ إبراهيم من أبيه في الدنيا، فمَن خالف هذا فقوله لا يُلتفت إليه. فاعجب من ابن حجر، يقول المعترض: قال الله، ويقول هو: قال سعيد بن جبير!

وقوله: ((لكن لما رآه يوم القيامة، أدركته الرأفة والرقة، فسأل فيه)) قول لا يليق بإبراهيم عليه السلام! فقد أمرَنا الله تعالى بألاّ تأخذنا بمرتكبي الزنى من المسلمين رأفة في دين الله (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللََّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) (النور 2)، فكيف تأخذ إبراهيمَ بهذا الكافر عدوِّ الله رأفة ورقّة! وقوله: ((وقيل: إن إبراهيم لم يتيقن موته على الكفر)) مردود لمخالفته صريح القرآن، عفا الله عنهم!

وقد استشكلتُ أموراً أخرى:

- كيف يكون في إدخال هذا الكافرِ النارَ خزيٌ لإبراهيم وقد انقطع النسب بينه وبينه! كما قال تعالى لنوح عن ابنه الكافر (يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) (هود 46). فهل يُخزَى نوح لأن ابنه من أصحاب الجحيم؟

- أن قوله: ((يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟)) تنقضه تكملة الآيات الكريمات لقول إبراهيم: (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء 87). فإبراهيم عليه السلام يقرّ بأن الأبناء لن يغنوا عن آبائهم شيئاً يوم القيامة، فهل مَن أقرّ بهذا في الدنيا يشفع لأبيه الكافر يوم القيامة؟

- وقع في رواية ابن أبي أويس ((أبي الأبعد)) وليست الياء للنسب، بل وقع في رواية ابن طهمان: ((فإن أخزيت أباه فقد أخزيت الأبعد))، فعُلم أن المقصود بـ ((الأبعد)) هو إبراهيم. وحاشا الخليل عليه السلام أن يُقال له "الأبعد"! فهذه لفظة نكراء شنيعة فيها اجتراء على مقام النبوّة الطاهر، سامحهم الله وغفر لهم!

هذا ما استُشكِل عليّ في هذا الحديث .. فماذا ترون أكرمكم الله؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير