وفي هذا جواب على سؤالك، لأن الدحو ليس بخلق: فالله تعالى عندما أخبر عن خلق الأرض، قال جلّ شأنه: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء) [البقرة 29]. وفصَّل سُبحانه الحديث عن خلق الأرض وما فيها في قوله سبحانه: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) [فصلت 9 - 12].
فاشتمل التفصيلُ على:
- خَلْق الأرض
- جَعْل الرواسي مِن فوقها
- تقدير الأقوات
وكلّ هذا جميعاً استغرق أربعة أيام. ثم عقَّب ذلك باستوائه سبحانه إلى السماء. فهذا صريح النصّ ولا اجتهاد معه.
أمّا قوله في النازعات: (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ).
فأنتَ ترى أن الحديث هنا عن "خلق السماء" لا خلق الأرض، وأما ما كان بعد خلق السماء فليس خلقاً بل هو:
- دحوُ الأرض بإخراج الماء والمرعى
- وإرساء الجبال
فلا الإخراج خلقٌ ولا الإرساء خلقٌ، لأن إخراجَك الشيءَ دالٌّ على وجوده مِن قبل وليس الإخراج إيجاداً. ومثلُ ذلك مع إرساء الجبال، لأن إرساءها دالٌّ على وجودها مِن قبل. وهذا صريحُ القرآن: لأنّ الداخلَ في خلق الأرض وما فيها ليس هو إخراج الماء والمرعى بل تقدير الأقوات، وليس هو إرساءُ الجبال بل جَعْلها مِن فوق الأرض. وهذا مقطوعٌ به بنصّ كتاب الله.
قال ابن كثير في تفسير فصّلت: ((فأما قوله تعالى "أأنتم أشدّ خلقاً أم السماء بناها" إلى قوله "والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها": ففي هذه الآية أن دحو الأرض كان بعد خلق السماء. فالدحو مفسَّرٌ بقوله: "أخرج منها ماءها ومرعاها" وكان هذا بعد خلق السماء. فأمَّا خلقُ الأرض فقبل خلق السماء بالنصّ. وبهذا أجاب ابن عباس فيما ذكره البخاري)). اهـ
فقولك حفظك الله: ((فما هو توجيهك لقوله تعالى في سورة النازعات الدال على أن دحو الأرض كان بعد خلق السماء)) هو أن الأمرَ كما ذكرتَ بنفسك أن الدحوَ كان بعد خلق السماء. وإذ نصّ القرآنُ على أن خلق السماء كان بعد خلق الأرض، لم يدخل الدحو في أيام خلق الأرض. ولو صحّ ما يُروى عن ابن عباس، فهو اجتهاد خاطئ مخالف لنصّ القرآن.
ثم لاحِظ أنّ قول المعلمي ليس متعلقاً بهذا السؤالِ الذي طرحتَه هنا، لأنه يقول: ((وإذ ذكر خلق السماء في يومين، لم يذكر ما يدل أنه في أثناء ذلك لم يحدث في الأرض شيئاً)). فهو يشير إلى أنه: في أثناء اليومين اللذين خُلقت فيهما السماء، قد يكون حدث شيء من أمور الخلق في الأرض. وهذا مدفوعٌ حتَّى بما في سورة النازعات، لأن دحوَ الأرض كان بعد خلق السماء لا "أثناء ذلك".
والله أعلى وأعلم
ـ[سعيد بن محمد المري]ــــــــ[12 - 07 - 09, 07:17 م]ـ
طيب، أكرمك الله، أفهم من كلامك أن الأيام الأربعة كانت لخلق الأرض وإرساء الجبال وتقدير الأقوات، أي أن خلق الأرض كان في يومين، ثم بعدها في يومين آخرين جعل فيها الرواسي وقدر فيها الأقوات؟ أهذا ما تريد قوله؟.
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[12 - 07 - 09, 07:24 م]ـ
وفي كل الأحوال فأيوب بن خالد ضعيف لا يجوز الاحتجاج بخبره. قال روح بن عبادة، عن موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد: «كنت في البحر، فأجنبت ليلة ثالث و عشرين من رمضان. فاغتسلت من ماء البحر، فوجدته عذباً فراتاً». وهذا كذب ظاهر. و قال الأزدي في ترجمة إسحاق بن مالك التنيسي، بعد أن روى من طريق هذا حديثاً عن جابر: «أيوب بن خالد ليس حديثه بذاك. تكلم فيه أهل العلم بالحديث. و كان يحيى بن سعيد و نظراؤه لا يكتبون حديثه». وقال عنه –كما في لسان الميزان (1
369) –: «ضعيف». وقال ابن حجر في التقريب: «فيه لين». ومع تضعيف هؤلاء كلهم، فإنه ليس فيه توثيق معتبر.
ـ[سعيد بن محمد المري]ــــــــ[12 - 07 - 09, 08:41 م]ـ
¥