ثم تنظر في متونها لِتَعْلَم حال ألفاظها إنْ كانت متفقةً أو مختلفة، بأن تتفرّد روايةٌ بلفظ ليس في باقي الروايات، أو تشذّ عنها، أو تُدرج كلاماً للراوي ليس مِن الحديث فيشتبه على مَن بعده، أو تختصر الحديث بما يخلّ بالمعنى، وغير ذلك.
وتَبقى مسألة خلافية: وهي ما وُقِفَ فيه على عِلَّةٍ وكان في الصحيحين أو أحدهما، هل تُعَلَّ به هذه الأحاديث أم لا؟ فيه مذهبان: الأول هو أنّ الشيخين رحمهما الله اجتهدا في انتقاء ما صحَّ عندهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، ولكن قد يقع في كتابيهما مِن الأحاديث ما فيه عللٌ إمّا خَفِيت عليهما - أو أحدهما - وإمّا وجداها غير قادحة، وإمّا رجّحا جانب الصحّة في هذه الأحاديث. وأكثر هذه وقع لمسلم، فإنّ البخاريَّ كان أتقن لهذا الفنّ منه. والمذهب الثاني: هو أنّ كلّ أحاديث الكتابَين مقطوعٌ بصحّتها، لأنّ الأمّة تلقتهما بالقبول. وما انتقده الحفاظ قديماً كالدارقطني وغيره فليس مِمَّا تلقته الأمة بالقبول، ومع ذلك فالصواب فيه مع الشيخين. وهذا صريح مذهب ابن الصلاح.
والمذهب الأول هو ما أراه، وهو صنيع الدارقطني وابن عمار الشهيد وأبو علي الجياني والرشيد العطار وأبو مسعود الدمشقي، وقد أصابوا في بعض ما انتقدوه. وليست العبرة بتعيين الأحاديث التي انتقدها السابقون وحصْرها وإخراجها مِمَّا تُلُقِّيَ بالقبول، بل العبرة بتعيين العِلّة ومكمن الخلل في الحديث حتى ولو لم ينتقده القدماء لأنّ عدم إعلال السابقين للحديث ليس مانعاً مِن إعلاله متى وُقِفَ على عِلَّته، كما قال ابن حجر: ((قد يخفى على الحافظ بعض العلل في الحديث، فيحكم عليه بالصحّة بمقتضى ما ظهر له. ويطّلع عليها غيره، فيردّ بها الخبر)).
وأضرب لك مثالين أحدهما تفرّد به مسلم عن البخاريّ، والآخر تفرّد به البخاريّ عن مسلم. الأول: حديثُ الجسّاسة صحَّحه الإمام مسلم، ولم يأتِ صريحاً عن أحدٍ مِن علماء الحديث أنه أعلَّه. ومع ذلك فهذا الحديث فيه عِلَل قادحة فصَّلتُها في موضوع "حديث الجساسة غريب فرد" وثار حوله نقاش حادّ. وهذا الحديث مِمَّا تركه الإمام البخاريّ ولم يخرجه في صحيحه، وصرَّح ابنُ حجر بأنّ البخاريّ رجَّح عليه أحاديث ابن صياد. ونازعني في ذلك بعض المتحاورين في ذلك الموضوع بأنّ البخاريَّ صحّحه خارج الصحيح ونقله الترمذي في علله. فقلتُ: إنه رجَّح بين طريقين للحديث ولم يحكم بالصحّة المطلقة، وصنيعُه في صحيحه دالٌّ على أنّ حديث فاطمة بنت قيس مرجوحٌ عنده. وسُقتُ مِن الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وأقوال الصحابة والتابعين ما بيَّنتُ به عِلّة حديث الجسّاسة.
والثاني: حديث ملاقاة إبراهيم أباه يوم القيامة تفرّد بإخراجه البخاريّ، وتكلّمتُ على ما في سنده ومتنه مِن العلل القادحة، وسَبَقَ أن طَعَن في صحّته الإمام الإسماعيليّ وأنه مخالف لصريح القرآن، وردّ عليه ابن حجر بردود لا تنهض. وسُقتُ أقوال أئمة التفسير الذين تكلّموا في هذا الحديث.
ولستُ أزعم أنّني مُصيبٌ فيما ذهبتُ إليه، بل أفتأ أعرضُ ما أقفُ عليه حتَّى يُناقَش ويُصوَّب فأستفيد ويستفيد غيري. ونسأل الله أن يجعلنا مِن الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه.
والله أعلى وأعلم
ـ[عبد الله دريد حقي]ــــــــ[15 - 06 - 10, 07:00 م]ـ
.
وأما فيما يتعلّق بالوقوف على العلل فلأهل العِلم كلامٌ فيه مبثوثٌ في مصنَّفاتهم. فأوَّل ما يُبتدأ به هو جمع الطرق حتَّى تنجلي آفات الحديث، ..................
أخى الكريم بارك الله فيك على هذا العرض القيم
و لكنى أعنى أمراً آخر , فأنا - و الحمد لله - لم يخف علي تفاصيل هذا المنهج الرصين للعلماء ...
و إنما قصدت أن أسأل عن الكتب و الأبحاث و المصادر مهما تنوعت و التى هى مظان للبيان و الشرح الموسع لعلل الحديث و الأثر , و إن لم تكن قد صنفت من أجل ذلك!
و كذلك التى صنفت لبيان و شرح العلل بهذا التوسع
على أن تكون دقيقة و متقنة
و يمكن مراجعة المواضيع التالية لعلك تفيدنا فيها ذاكراً جواب ماسألت أنا عنه أعلاه:
كتب هامة جداً فى علم بيان العلل متوفرة مصورة (أو غير متوفرة على الشبكة) نرجو تحويلها إلى الشاملة ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=213553)
¥