تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فخشيت على نفسي القتل فطلّقتها طلقةً واحدةً على طلاق السّنّة، ثمّ أمر بي إلى السّجن فحبسني فيه حتّى تمّت عدّتها ثمّ تزوّجها، فبنى بها، ثمّ أطلقني. فأتيتك مستغيثاً قد رجوت عدلك وإنصافك، فارحمني يا أمير المؤمنين. فوالله يا أمير المؤمنين لقد أجهدني الأرق، وأذابني القلق، وبقيت في حبّها بلا عقلٍ، ثمّ انتحب حتىّ كادت نفسه تفيض. ثمّ أنشأ يقول:

في القلب منّي نارٌ ... والنّار فيه الدّمار

والجّسم منّي سقيمٌ ... فيه الطّبيب يحار

والعين تهطل دمعاً ... فدمعها مدرار

حملت منه عظيماً ... فما عليه اصطبار

فليس ليلي ليلٌ ... ولا نهاري نهار

فارحم كئيباً حزيناً ... فؤاده مستطار

اردد عليّ سعادي ... يثيبك الجبّار

ثمّ خرّ مغشيّاً عليه بين يدي أمير المؤمنين كأنّه قد صعق به قال: وكان في ذلك الوقت معاوية متكّئاً، فلمّا نظر إليه قد خرّ بين يديه قام ثمّ جلس، وقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون. اعتدى والله مروان بن الحكم ضراراً في حدود الدّين، وإحساراً في حرم المسلمين: ثمّ قال: والله يا أعرابي لقد أتيتني بحديثٍ ما سمعت بمثله. ثمّ قال: يا غلام عليّ بداوةٍ وقرطاسٍ فكتب إلى مروان: أمّا بعد، فإنّه بلغني عنك أنّك اعتديت على رعيّتك في بعض حدود الدّين، وانتهكت حرمةً لرجلٍ من المسلمين. وإنّما ينبغي لمن كان والياً على كورةٍ أو إقليمٍ أن يغضّ بصره وشهواته، ويزجر نفسه عن لذّاته. وإنّما الوالي كالرّاعي لغنمةٍ، فإذا رفق به بقيت معه، وإذا كان لها ذئباً فمن يحوطها بعده. ثمّ كتب بهذه الأبيات:

ولّيت، ويحك أمراً لست تحكمه ... فاستغفر الله من فعل امرئٍ زاني

قد كنت عندي ذا عقلٍ وذا أدبٍ ... مع القراطيس تمثالاً وفرقان

حتّى أتانا الفتى العذريّ منتحباً ... يشكو إلينا ببثٍّ ثمّ أحزان

أعطي الإله يميناً لا أكفّرها ... حقّاً وأبرأ من ديني ودياني

إن أنت خالفتني فيما كتبت به ... لأجعلنّك لحماً بين عقباني

طلّق سعاد وعجّلها مجهّزةً ... مع الكميت، ومع نصر بن ذبيان

فما سمعت كما بلّغت في بشرٍ ... ولا كفعلك حقاً فعل إنسان

فاختر لنفسك إمّا أن تجود بها ... أو أن تلاقي المنايا بين أكفان

ثمّ ختم الكتاب. وقال: عليّ بنصر بن ذبيان والكميت صاحبيّ البريد. فلمّا وقفا بين يده قال: اخرجا بهذا الكتاب إلى مروان بن الحكم ولا تضعاه إلاّّ بيده. قال فخرجا بالكتاب حتّى وردا به عليه، فسلّما ثمّ ناولاه الكتاب. فجعل مروان يقرأه ويردّده، ثمّ قام ودخل على سعدى وهو باكٍ، فلمّا نظرت إليه قالت له: سيّدي ما الذي يبكيك؟ قال كتاب أمير المؤمنين، ورد عليّ في أمرك يأمرني فيه أن أطلّقك وأجهّزك وأبعث بك إليه. وكنت أودّ أن يتركني معك حولين ثمّ يقتلني، فكان ذلك أحبّ إليّ. فطلّقها وجهّزها ثمّ كتب إلى معاوية بهذه الأبيات:

لا تعجلنّ أمير المؤمنين فقد ... أوفي بنذرك في رفقٍ وإحسان

وما ركبت حراماً حين أعجبني ... فكيف أدعى باسم الخائن الزاني

أعذر فإنّك لو أبصرتها لجرت ... منك الأماقي على أمثال إنسان

فسوف يأتيك شمسٌ لا يعادلها ... عند الخليفة إنسٌ لا ولا جان

لولا الخليفة ما طلّقتها أبداً ... حتّى أضمّنّ في لحدٍ وأكفان

على سعادٍ سلامٌ من فتىً قلقٍ ... حتّى خلّفته بأوصابٍ وأحزان

ثمّ دفعه إليهما، ودفع الجّارية على الصّفة التي حدّث له. فلمّا وردا على معاوية فكّ كتابه وقرأ أبياته ثمّ قال: والله لقد أحسن في هذه الأبيات، ولقد أساء إلى نفسه. ثمّ أمر بالجّارية فأدخلت إليه، فإذا بجاريةٍ رعبوبةٍ لا تبقي لناظرها عقلاً من حسنها وكمالها. فعجب معاوية من حسنها ثمّ تحوّل إلى جلسائه وقال: والله إنّ هذه الجّارية لكاملة الخلق فلئن كملت لها النّعمة مع حسن الصّفة، لقد كملت النّعمة لمالكها. فاستنطقها، فإذا هي أفصح نساء العرب. ثمّ قال: عليّ بالأعرابي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير