فَقَدْ وَقَعَ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا الاعْتِرَاضِ فِى ثَنَايَا الْبَحْثِ، حَيْثُ قُلْتُ: «وَقَدْ جَوَّدَ إِسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَدَنِيُّ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَصَرَّحَ ابْنُ إِسْحَاقَ بِالسَّمَاعِ، فَزَالَتْ تُهْمَةُ تَدْلِيسِهِ، وَأَتْقَنَ مَتْنَهُ. وَتَابَعَهُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْقُطَعِيِّ، وَعَيَّاشِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْهُ». وَقُلْتُ فِى خَاتِمَةِ التَّخْرِيْجِ: «فَالْحَدِيثُ ثَابِتٌ صَحِيحٌ، وَأَمْثَلُ أَسَانِيدِهِ «ابْنُ إِسْحَاقَ ثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى سُفْيَانَ عَنْ أُمِّهِ حُكَيْمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ»، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَابْنُ حِبَّانَ، وَصَحَّحَهُ».
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الاضْطِرَابَ الَّذِي يُعِلُّ الْحَدِيثَ، وَيُحْكَمُ مَعَهُ عَلَى الْحَدِيثِ بِالضَّعْفِ، هُوَ الَّذِي لا يُمْكِنُ مَعَهُ تَرْجَيْحَ إِحْدَى وُجُوهِ الرِّوَايَةِ، أَمَّا إِذَا تَرَجَّحَتْ إِحْدَى الرِّوَايَاتِ كَمَا هَاهُنَا، فَالاضْطِرَابُ مُنْتَفٍ، وَالْحَدِيثُ ثَابِتٌ بِالرِّوَايَةِ الرَّاجِحَةِ.
أَلَمْ بَقُلِ الإِمَامُ الْجِهْبِذُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فِى الأَلْفِيَّةِ الْمَوْسُومَةِ بِـ «التَّبْصِرَةِ وَالتَّذْكِرَةِ»:
مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ مَا قَدْ وَرَدَا ... مُخْتَلِفَاً مِنْ وَاحَدٍ فَأزْيَدَا
فِي مَتْنٍ أوْ في سَنَدٍ إنِ اتَّضَحْ ... فِيْهِ تَسَاوِي الْخُلْفِ أَمَّا إِنْ رَجَحْ
بَعْضُ الوُجُوْهِ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرِبَا ... وَالْحُكْمُ لِلرَّاجِحِ مِنْهَا وَجَبَا
وَمِنَ الْبَيَانِ الْوَاجِبِ: أن مَا يَنْفَرِدُ بِهِ ابْنُ إِسْحَاقَ مَعَ تَصْرِيْحِهِ بِالتَّحْدِيثِ فَهُوَ حَسَنٌ عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الاصْطِلاحِ، وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لا يُفَرِّقُ بَيْن الصَّحِيحِ وَالْحَسَنِ، وَيَجْعَلُ كُلَّ مَا يَصْلُحُ لِلْحُجَّةِ صَحِيحَاً، وَهَذَا مَذْهَبُ الْبُخَارِيِّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ، وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ.
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[29 - 04 - 09, 08:19 ص]ـ
[4] وَأَمَّا دَعَوْي ابْنِ حَزْمٍ جَهَالَةِ الأَخْنَسِيِّ، وَجَدَّتِهِ حُكَيْمَةَ، وَأُمِّ حَكِيمِ بِنْتِ أُمَيَّةَ!.
وَهُوَ قَوْلُهُ فِي «الْمُحَلَّى»: أَمَّا هَذَانِ الأَثَرَانِ فَلا يَشْتَغِلُ بِهِمَا مَنْ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ بِالْحَدِيثِ لأَنَّ يَحْيَى بْنَ أَبِي سُفْيَانَ الأَخْنَسِيَّ، وَجَدَّتَهُ حُكَيْمَةَ، وَأُمَّ حَكِيمِ بِنْتَ أُمَيَّةَ لا يُدْرَى مَنْ هُمْ مِنْ النَّاسِ؟، وَلا يَجُوزُ مُخَالَفَةُ مَا صَحَّ بِيَقِينٍ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَجْهُولاتِ الَّتِي لَمْ تَصِحَّ قَطُّ.
فَالْجَوَابُ: لَيْسَ بِالْمُسْتَغْرَبِ تَجْهِيلُ ابْنِ حَزْمٍ لِمِثْلِ حُكَيْمَةَ أُمِّ حَكِيمٍ الأَخْنَسِيَّةِ، فَقَدْ جَهَّلَ الْمَشَاهِيْرَ مِنْ أَئِمَّةِ الأُمَّةِ أَمْثَالَ: شَيْخِ الإِسْلامِ الإِمَامِ الْحَافِظِ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ الْبَغْدَادِيِّ، وَالإِمَامِ الْحَافِظِ أَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ، وَالإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مَاجَهْ الْقَزْوِينِيِّ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمَشَاهِيْرِ.
وَأَمَّا تَجْهِيْلُهُ يَحْيَى بْنَ أَبِي سُفْيَانَ الأَخْنَسِيَّ، فَأَعْجَبُ وَأَبْطَلُ، إِذْ هُوَ قَوْلٌ لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ، وَلا تَكَلَّمَ بِهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ!. وَإِذَا عَارَضَ مِثْلَهُ قَوْلُ وَحُكْمُ إِمَامِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ أَبِي حَاتِمٍ الرازِيِّ، مَعَ قِيَامِ الْحُجَّةَ عَلَى صِدْقِ قَوْلِهِ، وَمَتَانَةِ حُكْمِهِ، بَطَلَتْ دَعَوَاهُ.
وَاعْتَبِرْ هَذَا الْغَلَطَ بِمَا هُوَ أَعْجَبُ وَأَغْرَبُ وَأَبْعَدُ فِي الْمُخَالَفَةِ لأَحْكَامِ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ:
¥