قُلْتُ: وَالإِمَامُ مَالِكٌ مُسْتَغْنٍ بِضَبْطِهِ وَإِتْقَانِهِ، وَقَائِمٌ مَقَامَ الْحُجَّةِ فِي ثُبُوتِ الْحَدِيثِ وَصِحَّتِهِ، وَقَدْ جَوَّدَ مَتْنَهُ وَأَتَمَّهُ. وَرَوَاهُ عَنْهُ الْجَمُّ الْغَفِيْرُ مِنْ أَصْحَابِهِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالْقَعْنَبِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ التِّنِّيسِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ، وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ، وَأَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ.
ـ (الرَّدُّ عَلَى ابْنِ حَزْمٍ فِي تَضْعِيفِهِ لِلْحَدِيثِ) ـ
قَالَ الْحَافِظُ الْعَلاَّمَةُ حُجَّةُ الظَّاهِرِيَّةِ أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنُ حَزْمٍ:
وَأَمَّا حَدِيثُ فُرَيْعَةَ، فَفِيهِ زَيْنَبُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، وَهِيَ مَجْهُولَةٌ لا تُعْرَفُ، وَلا رَوَى عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ. عَلَى أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ لِغَرَابَتِه ِ؛ وَلأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَ أَحَدٍ سِوَاهُ، فَسُفْيَانُ يَقُولُ: سَعِيدٌ، وَمَالِكٌ، وَغَيْرُهُ يَقُولُونَ: سَعْدٌ، وَالزُّهْرِيُّ يَقُولُ: عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، فَبَطَلَ الاحْتِجَاجُ بِهِ.
إذْ لا يَحِلُّ أَنْ يُؤْخَذَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاَّ مَا لَيْسَ فِي إسْنَادِهِ مَجْهُولٌ، وَلا ضَعِيفٌ.
قُلْتُ: وَهَذِهِ إِحْدَى زَلاَّتِ ابْنِ حَزْمٍ وَأَغْلاطِهِ فِي تَضْعِيفِ صِحَاحِ الرِّوَايَاتِ، وَتَجْهِيلِ مَشَاهِيرِ الثِّقَاتِ، وَإِبْطَالِ الْحَقِّ اللائِحِ، وَتَزْيِيفِ الْبُرْهَانِ الْوَاضِحِ.
........................
........................
وَلَيْسَ بِالْمُسْتَغْرَبِ تَجْهِيلُ ابْنِ حَزْمٍ لِمِثْلِ زَيْنَبَ التَّابِعِيَّةِ الأَنْصَارِيَّةِ، فَقَدْ جَهَّلَ الْمَشَاهِيْرَ مِنْ أَئِمَّةِ الأُمَّةِ أَمْثَالَ: شَيْخِ الإِسْلامِ الإِمَامِ الْحَافِظِ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ الْبَغْدَادِيِّ، وَالإِمَامِ الْحَافِظِ أَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ، وَالإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مَاجَهْ الْقَزْوِينِيِّ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمَشَاهِيْرِ.
قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ «مِيزَانُ الاعْتِدَالِ» (6/ 289/8041): «مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سَوْرَةَ؛ الْحَافِظُ الْعَلِمُ؛ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ صَاحِبُ «الْجَامِعِ». ثِقَةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَلا الْتِفَاتَ إِلَى قَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ حَزْمٍ فِيهِ فِي الْفَرَائِضِ مِنَ «كِتَابِ الإِيْصَالِ»: «إِنَّهُ مَجْهُولٌ»، فَإِنَّهُ مَا عَرَفَهُ، وَلا دَرَى بِوُجُودِ «الْجَامِعِ» وَلا «الْعِلَلِ» اللَّذَيْنِ لَهُ!!».
وَللهِ دَرُّ الْعَلاَّمَةِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ، فَقَدْ قَالَ فِى «مُوَافَقَاتِهِ» (1/ 91): «مِنْ أَنْفَعِ طُرُقِ الْعِلْمِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى غَايَةِ التَّحَقُّقِ بِهِ؛ أَخْذُهُ عَنْ أَهْلِهِ الْمُتَحَقِّقِينَ بِهِ عَلَى الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ».
وَأَطَالَ فِى تَقْرِيرِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ النَّافِعَةِ، ثُمَّ قَالَ: «وَبِهَذَا الْوَجْهِ وَقَعَ التَّشْنِيعُ عَلَى ابْنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ، فَإِنَّهُ لَمْ يُلازِمْ الأَخْذَ عَنِ الشُّيُوخِ، وَلا تَأَدَّبَ بِآدَابِهِمْ. وَبِضِدِّ ذَلِكَ كَانَ الْعُلَمَاءُ الرَّاسِخُونَ كَالأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَأَشْبَاهِهِمْ» اهـ.
فَإِذَا بَانَ لَكَ ذَلِكَ، فَمَا أَحْرَاكَ بِتَقْدِيْمِ تَوْثِيقِ وَتَعْدِيلِ إِمَامِ الأَئِمَّةِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ لِزَيْنَبِ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الأَنْصَارِيَّةِ، وَاحْتِجَاجِهِ بِحَدِيثِهَا وَإِيْدَاعِهِ إِيَّاهُ فِى «مُوَطَئِهِ»؛ عَلَى كَلامِ مَنْ جَهَّلَ الْمَشَاهِيْرَ، وَخَفِيَ عَلَيْهِ تَوْثِيقُهُمْ مَعَ اسْتِفَاضَةِ شُهْرَتِهِمْ!!.
ـ[حذيفة بن فاروق]ــــــــ[29 - 04 - 09, 10:13 ص]ـ
شيخنا الحبيب،
زاد الله بكم النفعَ، وبارك فيكم ...
وجمعنا بكم في الآخرة مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وصحابته والقائمين على علوم سنته.
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[29 - 04 - 09, 10:50 ص]ـ
الْمُحِبَّ الْوَدُودَ / أبَا عّبْدِ اللهِ حُذَيْفَةَ السَّكَنْدَرِيَّ
صَافِي الطَّوِيَّةِ مِنْ غِلٍّ يُكَدِّرُهَا ... وَأوَّلُ الْمَجْدِ أَنْ تَصْفُو الطَِّويَّاتُ
شُكْرِي لِبِرِّكَ مَوْصُولٌ مَرْفُوعٌ. وَحُبِّى لَكَ لا شَاذٌ وَلا مَعْلُولٌ وَلا مَقْطُوعٌ.
وَلا ارْتِيَابَ عِنْدِى بِصِحَّةِ مَوَدِّتِكَ بَاطِنَاً وَظَاهِرَا. وَسَلامِي إِلَيْكَ أَوَّلاً وَآخِرَا.
¥