ثم ساق له أحاديث مما أنكر عليه، هذا أحدها، وكذلك صنع الذهبي، لكنه ذكره بلفظ:"إذا انقطع شسع أحدكم فليسترجع، فإنها من المصائب". ولعله لفظ ابن عدي في"الكامل"، فقد عزاه إليه السيوطي في"الجامع الكبير" وإلى أبي الشيخ في"الثواب"، والبيهقي في"شعب الإيمان" من هذا الوجه. وقد أخرجه الديلميفي "مسند الفردوس" (1/ 1/161) من طريق أبي الشيخ.
ثم ذكر السيوطي أن هناداً رواه عن يحيى بن عبيدالله عن أبيه مرسلاً.
قلت: وهذه علّة ثانية في الحديث وهي الإرسال. وفيه علّة ثالثة: وهي جهالة عبيدالله والد يحيى، وإن وثّقه ابن حبان كما تقدّم في كلامه على يحيى، ولذلك، أورده في التابعين من "ثقاته"، ولكنه لم يتابع على توثيقه إيّاه، بل قال الشافعي:"لا نعرفه"، وقال ابن القطان الفاسي:"مجهول الحال". وأما قول الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/ 331):"رواه البزار، وفيه بكر بن خنيس، وهو ضعيف"، فأقول: هذا إعلالٌ غير قادح، وذهول عن العلّة الحقيقة القادحة، وهو انفراد يحيى بن عبيدالله به.
ومن طريقه أخرجه البزار، فقد وقفت على إسناده في"كشف الأستار" للهيثمي نفسه، أورده في كتاب"الأذكار"منه، فتبيّن لي أنّ الهيثمي قد أبعد النجعة في الإعلال المذكور.
ثم إن البزار قد أخرج للحديث شاهداً من طريق خارجة بن مصعب:ثنا خالد بن الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن شداد بن أوس، عن النبي-صلى الله عليه وسلم- مثله. وقال:"لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه، ولا نعلم أحداً حدّث به عن خالد إلا خارجة وليس بالحافظ".
قلت: وبه أعلّه الهيثمي في"المجمع" فقال:"وهو متروك"، وكذا قال الحافظ في"التقريب وزاد:"وكان يدلّس عن الكذّابين، ويُقال:إنّ ابن معين كذّبه".
والحديث أشار إلى تضعيفه ابن قيم الجوزية في"الوابل الصيب" (ص170 - المنيرية) بقوله:"ويذكر عن أبي هريرة ... "الخ.
وكذلك قال قبله شيخه ابن تيمية في"الكلم الطيب"، وهو الصواب خلافاً لما كنت علقته عليه (ص81/ 140) غير متنبهٍ لشدّة ضعفه أولاّ، ولا لكون الشاهد الذي قوّيته وحسّنته من أجله ليس فيه الإسترجاع الذي في هذا ثانياً. ولذلك، بادرت إلى بيان هذا نصحاً لنفسي وقرائي، والله تعالى أسأل أن يغفر لي خطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، وهو الغفور الرحيم.
على أنني كنت خرّجته في"تخريج المشكاة" (1760) من رواية أبي نعيم مضعّفاً إياه كما هنا، ويظهر أنه لم يتيسر لي يومئذٍ الرجوع إلى النخريج المذكور فوقع ما ذكرنا من الخطأ، والله المستعان.
والشاهد المشار إليه هو من حديث أنس، وقد مضى تخريجه والكشف عن علّته برقم (1362)).
قلت:ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- أنه: انقطع شسع نعله فاسترجع، وقال:" كل ما ساءك مصيبة":
قال هناد بن السري في كتاب"الزهد":حدثنا أبو الأحوص، عن أبي اسحاق، عن عبدالله بن خليفة قال:"كنت مع عمر في جنازة فانقطع شسعه فاسترجع، ثم قال:"كل ما ساءك مصيبة".
وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل في "زوائد الزهد": حدثنا أبو بكر، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر -رحمه الله- أنّه انقطع شسعه فاسترجع، وقال: "كل ما ساءك مصيبة".
وقال البيهقي في كتاب"شعب الإيمان": أخبرنا أبو طاهر الفقيه: أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان: نا أحمد بن يوسف السلمي: نا محمد بن يوسف: نا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة قال:"بينما عمر يمشي انقطع شسع نعله فاسترجع فقال له ـ يعني أصحابه ـ:مالك يا أمير المؤمنين؟ قال:"انقطع شسع نعلي فساءني، وكل ما ساءك مصيبة".
أقول: إسناد الأثر حسن، رجاله ثقات، عبيدالله بن خليفة شيخ أبي إسحاق السبيعي، قال فيه الدارقطني:"ثقة"، وقال يعقوب بن سفيان:"ثقة"، وقال أبو حاتم الرازي:"شيخ تكلموا فيه، من نظراء أصبغ بن نباتة"، وذكره ابن حبان في"الثقات"، وذكره ابن عبدالبر الأندلسي:"فيمن احتملت روايته وقد تكلم فيه"، وقال ابن سعد:"كان قليل الحديث"، وأنا أرجو أن يكون حسن الحديث، والله أعلم.
فائدة: جاء أثر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- هذا من طريق آخر ضعيف:
¥