تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم ذكر المؤلف في هذا التعريف خمسة شروط عند أهل الحديث، وهي ثلاثة شروط عند الفقهاء، والذي يعنينا في هذا الباب هو اصطلاح أهل الحديث؛ لأن القاعدة المتقررة: أن كل فن يرجع فيه إلى أهله.

ففي التفسير يرجع إلى أهل التفسير، وفي أصول الفقه يرجع إلى أهل الأصول، وفي الفقه يرجع إلى الفقهاء، وفي اصطلاح أهل الحديث يرجع إلى أهل الحديث، وهكذا غيرها من الفنون.

شروط الحديث الصحيح

وهذه الشروط الخمسة التي اشترطها أهل الحديث، منها ثلاثة إيجابية أو ثبوتية، يعني: يجب وجودها أو توافرها في الحديث؛ ليحكم له بالصحة، وشرطان منها سلبية أو منفية، يعني: لا بد من انتفاءها من الحديث؛ حتى يحكم له بالصحة.

فالشروط الإيجابية الثلاثة الأول:

الشرط الأول: عدالة الراوي، يعني: لا بد أن يكون كل راوٍ من رواة هذا الإسناد عدلا، وهو معنى قوله: " هو ما دار على عدله" لكن ما هو العدل ولماذا اشترطت العدالة؟

والعدل لو أخذنا بتعريفات بعض الفقهاء الذين كتبوا في علم الاصطلاح لأشكل علينا كثير من الرواة، ولكن المعتمد -إن شاء الله- في هذا هو ما ذكره ابن حبان في" صحيحه " في بيان حال العدل.

فذكر: " أن العدل هو من كان أكثر أحواله طاعة الله -عز وجل- " فمن كان أكثر أحواله هي طاعة الله -عز وجل- فهو العدل، وهو الذي يقبل حديثه.

لأننا لو اشترطنا أن يكون كل إنسان يروي لنا الحديث سالما من المعصية، سالما من صغائر الذنوب وكبائرها؛ لأدى ذلك إلى أنه لا يكون هناك راو عدل، أو يقل أو يندر وجود الراوي العدل.

لأن الشيطان له مداخل على بني آدم، وقل من يسلم، ولا معصوم من هذه إلا الأنبياء والمرسلون -صلى الله عليهم-.

إذن فصار العدل هو من كان أكثر أحوالهم طاعة الله -عز وجل-؛ لأننا نجد بعض الرواة وصفوا ببعض المعصية، ومع ذلك قبل حديثهم، ولم يطعن في عدالتهم.

فـ شريك " وصف بالتيه والكبر؛ ومع ذلك قبل جماعة أو كثيرون من العلماء حديثه، والذين لم يقبلوا حديثه لم يقبلوه من جهة العدالة وإنما من امتنعوا من قبوله من جهة الحفظ؛ لأنه كان قد تغير حفظه لما ولي القضاء.

فصار هناك علماء أخذت عليهم بعض المآخذ من جهة قيام المعصية بأحدهم؛ ومع ذلك لم يمنع ذلك من قبول رواياتهم، وهذا أيضا مثل: " عكرمة مولى ابن عباس " ومثل: " شهر بن حوشب " وغيرهم.

هؤلاء تكلم فيهم بعض العلماء، وذكرت عليهم بعض المعاصي التي تظن أنها معاص، أو يزعم أنها معاص، أو قد تكون معاصي حقيقة؛ ومع ذلك لم يطعن أحد في عدالتهم.

لأنه لو طعن في العدالة؛ لسقطت الرواية مطلقا، ولم يقبل حديثه أبدا لا في الاعتبار ولا في الشواهد ومتابعاتها.

فصارت العدالة على الحد الذي ذكره ابن حبان، أو العدل على الذي ذكره ابن حبان -رحمه الله- هو الموافق لصنيع علماء الحديث، ويزيل كثيرا من الإشكالات.

ولهذا؛ الإمام الذهبي في كتابه: " الميزان " في ترجمة: " علي بن المديني -رحمه الله- " ذكر أنه ليس من شرط الثقة أن يكون معصوما من الخطأ ولا الخطايا، يعني: من الخطأ في الرواية، ولا الخطايا من جهة الدين.

فصار المعتبر في العدل أن يكون أكثر أحواله طاعة الله -عز وجل-، إذا كان الغالب عليه الطاعة لله -عز وجل- قبل حديثه؛ وبهذا يسلم لنا كثير من الرواة، بل من المخرج لهم في الصحيحين، وهم ممن وصفوا بنوع من أنواع التلبس بالمعصية.

وهذه العدالة اشترطها العلماء من أجل أن يؤمن معها الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن المقصود من رواية الحديث وصوله إلينا كما قاله -صلى الله عليه وسلم-؛ ولا سبيل إلى ذلك إلا إذا تحققنا من عدالة الشخص، وتحققنا من عدالته إذا كان أكثر أحواله طاعة الله -عز وجل-.

الشرط أو بهذا القيد -قيد العدالة- يخرج صنفان من الرواة: صنف تحقق عدم عدالته، تحققنا أنه ليس بعدل، وهؤلاء هم: الكذاب والمتهم بالكذب، وهو الذي يكذب في حديث الناس، لكن لم يثبت عليه أنه كذب في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو تقع له روايات كثيرة يغلب فيها المخالفة ويظن أنه افتعلها، لكن لا يجزم بذلك؛ فهذا متهم بالكذب، وقادح ذلك في العدالة.

وكذلك الذي يسرق الحديث؛ هذا أيضا خارج من حد العدالة، وكذلك المتهم في دينه بالفسق وغيره؛ فهذا خارج من العدالة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير