تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بقي نقطة في هذا الحديث: كما تقدم لنا أن الراوي قد يكون ضابطا ضبطا خاصا، أو ضبطا مقيدا بزمان، وأن هذا يأتي في رواية المختلطين، وهذا ينطبق معنا في هذا الحديث؛ لأن عطاء بن السائب مختلط، وهو ثقة لكنه اختلط، لكن رواية حماد بن زيد عنه قبل الاختلاط؛ فصار عطاء بن السائب في هذا الحديث ضابطا، لكن لو ورد من رواياته بعد الاختلاط لحكمنا عليه بالضعف، لكن ها هنا حكمنا عليه بالصحة لأنه ثقة، وفي هذه الحالة كان ضابطا؛ لأنه قد روى هذا الحديث قبل اختلاطه، وعرفنا ذلك برواية حماد بن زيد عنه، فهذا مثال للحديث الصحيح لذاته.

ومثال آخر -أيضا- له: مثاله ما رواه الإمام أحمد عن وكيع، عن الأعمش عن طلحة بن مصرف، عن عبد الرحمن بن عوسج، عن البراء بن عازب، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: زينوا القرآن بأصواتكم هذا الحديث جميع رجاله ثقات، وكل واحد منهم سمع من الآخر، والأعمش وإن كان مدلسا، لكن تدليسه ممن يحتمله الأئمة ويمشونه وإن عنعن، وإن عنعن في مثل هذا الحديث، فالأصل ولو عنعن -كما يأتي -إن شاء الله- في مثل هؤلاء الأئمة- ولو عنعن في الحديث -فحديثه مقبول، إلا لوجود المعارض.

هنا لا وجود لمعارض، بل روايات كثيرة جدا تثبت أن هذا الحديث صحيح، فهذا الحديث يعني ثبتت صحته؛ أولا لأن إسناده -فيما يظهر- مستوف لهذه الشروط، كما أن متنه لم يعله أحد من العلماء، بل احتجوا به حتى في مسائل الاعتقاد، وهذا يدل على ثبوته عند الأئمة -رحمهم الله- كالبخاري وغيره؛ لأنه احتج به بكتابه "خلق أفعال العباد" فهذا الحديث -فيما يظهر- إنه حديث صحيح لذاته.

بقي التمثيل للصحيح لغيره، مثاله:

ما رواه الإمام أحمد -رحمه الله- عن محمد بن بشر، عن محمد بن علقمة، عن أبي سلمة عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث لو نظرنا فيه لوجدنا أن رجاله كلهم ثقات، إلا محمد بن عمرو بن علقمة، هذا عدل في دينه، ولكن في حفظه شيء: فهو خفيف الضبط، وهو ممن يمثل بحديثه بأنه حديث حسن، فهذا الحديث إذا حكمنا عليه بهذا الإسناد -حكمنا عليه بأنه حديث حسن لذاته، لماذا؟

لأن راويه محمد بن عمرو بن علقمة خفيف الضبط، لكن لما تتبعنا طرق الحديث -وجدنا أنه تابعوا عليه أبا حازم وهو ثقة، فأبو حازم أرفع منزلة من محمد بن عمرو بن علقمة، فمحمد بن عمرو بن علقمة فيه خفة ضبط، لكنه لم يتفرد بهذا الحديث، فجاء أبو حازم فتابعه على هذا الحديث، ورواه عن أبي سلمة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- فتبينا بذلك أن هذا الحديث قد ضبطه محمد بن عمرو بن علقمة، فجبرنا خفة ضبطه برواية أبي حازم، وأبو حازم أمثل منه في رواية الحديث، وشرط الترقية عند أهل العلم:

أن يكون الشاهد في منزلة المشهود له، أو أعلى منه منزلة، وها هنا الشاهد أعلى أو المتابع، وهو أبو حازم أعلى منزلة من المتابع، وبهذا ينتهي الكلام عن الحديث الصحيح في إسناده ومتنه، وتبين لكم أن الحديث الصحيح، إذا أطلق يشمل الإسناد والمتن، وإذا حكم على حديث بأنه صحيح -فإن ذلك عائد إلى الإسناد والمتن. إذا قالوا: "هذا حديث صحيح" يعني: حديث صحيح في إسناده صحيح في متنه، وأما إذا قالوا: "صحيح الإسناد" فقد تكفلوا لك بصحة الإسناد، لكن قد يكون المتن معلا، إذا قالوا: "صحيح الإسناد" لا يلزم من الصحة المتن، وأما إذا قالوا: "رجاله ثقات" فمعناه: إن رجاله عدول ضابطون، لكن قد يكون منقطعا، قد يكون الإسناد شاذا، قد يكون الإسناد معلا، قد يكون المتن شاذا، قد يكون المتن معلا، فإذا قالوا: "رجاله ثقات" معناه: تكفلوا لك بأمرين:

أحدهما: ضبط الرواة وعدالة الرواة، ومن هنا يخطئ بعض الناس إذا ظن أن قوله: "رجاله ثقات" يعني: تصحيحا للحديث، وهذا غلط، وكذلك إذا قالوا: "رجاله رجال الصحيح" يعني: رجاله مخرج لهم في الصحيح، لكن لا يلزم منه صحة الحديث؛ لكونه يحتمل أن يكون منقطعا، يحتمل أن يكون معلا في سنده أو متنه، أو شاذا في سنده أو متنه، ويحتمل أن يكون رجاله مخرج لهم في الصحيح، لا على سبيل الاحتجاج، وإنما على سبيل في باب المتابعات، ومن رجال الصحيح من هو ممن خرج له الصحيح، وهو مخرج له في المتابعات، قد يكون في حفظه شيء، ويضعف له خارج الصحيح، فهذه الكلمة لا تقتضي تصحيح الحديث، لا في إسناده ولا في متنه، وإنما الذي يقتضي تصحيح الحديث في إسناده ومتنه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير