تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالصحيحان مشتملان على هذين القسمين، وإن كان ما في صحيح مسلم من الصحيح لغيره، أكثر مما في صحيح البخاري، فالشيخان يخرجان لمن خف ضبطه، إذا كان عندهم أصل لهذا الحديث، أو كان الحديث، أو ورد الحديث الذي خف ضبط رواته من طرق متعددة، كل هذه الطرق ترفع من مقام الحفظ للراوي الذي خف ضبطه، ترفع من مقامه في هذا الحديث بخصوصه؛ لأننا نشترط تمام الضبط في راوي الصحيح، ليصل إلينا صحيحا سالما.

فإذا تتابع الرواة، ولو مع خفة الضبط على رواية حديث ما -فإنه حينئذ كل واحد منهما يجبر حفظه ما خف من ضبط الآخر في هذا الحديث بخصوصه؛ ولهذا خرج الشيخان الحديث الصحيح لغيره، مع خفة ضبط الرواة، وإنما صنعا ذلك؛ لأن هذه الخفة جاءت بتعدد طرق الحديث.

بقي في هذا أن نذكر التمثيل للحديث الصحيح؛ حتى يتضح تعريفه. فالحديث الصحيح مثاله: ما رواه النسائي في سننه، عن شيخه يحيى بن حبيب بن عربي، عن حماد بن زيد، عن عطاء بن السائب عن أبيه، عن عمار بن ياسر، في دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي فهذا الحديث إذا نظرنا في سنده -وجدنا أولا: أن رجاله ثقات وكلهم ثقات، ولا تكلم في أحد منهم، هذا الشرط الأول.

الشرط الثاني: كل راو من هؤلاء الرواة، قد تحمل عن شيخه وثبت سماعه منه. وثالث الشروط هو العدالة: هؤلاء الرواة عدول لا شك فيهم؛ لأنهم داخلون في حد الثقات، والثقة لفظ يطلق على الضابط والعدل.

بقي السلامة من الشذوذ والعلة، وهذه لضعفنا القاصر عن إدراك مثل هذه الأشياء ومعرفتها؛ لأنها لا يتأهل لها إلا الأئمة الحفاظ -فإنه من الصعوبة بمكان الجزم بسلامة الحديث من الشذوذ والعلة، لكن انتفاء الشذوذ والعلة قد يدرك من جانب آخر، جانب قد نجزم معه بصحة الحديث وسلامته من الشذوذ والعلة، في جانب آخر قد يكون الأظهر والأرجح السلامة من الشذوذ والعلة، فإذا وجدنا إسنادا ووجدنا من صححه من أئمة الحديث -فإنه حينئذ يكون عندنا نوع من الجزم، يكون عندنا جزم إلى حد ما، بأن هذا الحديث صحيح.

والتصحيح هذا، أو السلامة من الشذوذ والعلة، ليس من قبل أنفسنا، وإنما هذا مستفاد من الأئمة، إذا جاء حديث وصحَّحه الإمام أحمد، أو صححه البخاري قال: "في الصحيح" أو الدارقطني أو غيرهم، وكشفنا عن السند -وجدنا الإسناد فيما يظهر لنا سالما من هذه الأشياء، فإننا حينئذ يكون عندنا جزم، أو شبه جزم بأن هذا الحديث صحيح، لا اعتمادا على فحصنا وبحثنا، وإنما اعتمادا على كلام الأئمة.

والقسم الثاني الذي هو يكون الأرجح والأظهر: السلامة من الشذوذ، وهذا يكون بعد البحث عن كلام العلماء، فإذا لم نجد فإننا حينئذ نستقصي طرق الحديث وجمعها، وجمع ألفاظها، ومعارضة بعضها على بعض؛ حتى نصل إلى الغاية في جهدنا، وعندئذ يكون الأرجح والأظهر أنه يكون سالما من الشذوذ والعلة، وهذا كما يصنع المجتهد في الترجيح بين مسائل الأحكام، يجتهد في جمع أدلة الأئمة في اختلافهم، ثم يرجح بما ظهر له وإن لم يكن جازما بذلك.

وكذلك بالنسبة لهذه الحالة، يستقصي الإنسان ما أمكن، ثم يحكم بعد ذلك بناء على ما ظهر له، ولا يكون فيه جزم، وإنما يكون على سبيل الأرجح والأظهر، لكن إذا كان الأئمة قد حكموا عليه، فإنه حينئذ إن حكموا عليه بالشذوذ أو أعلوه -فإنه لا يتجاسر العبد على مخالفتهم إذا كانوا من أئمة الحديث، وأما إذا كانوا قد حكموا عليه بالصحة -فإن ذلك يتضمن سلامته من الشذوذ والعلة، فحينئذ يكون هذا الحكم مستفادا، أو سلامة الحديث من الشذوذ والعلة مستفادة من كلام الأئمة، وهذا الحديث قد صححه غير واحد من الأئمة، وأورده الإمام النسائي في سننه ولم يعله، والأئمة استشهدوا أو الأئمة احتجوا به وأثبتوا به أحكاما، فالذي يظهر أنهم لم يطلعوا فيه على شذوذ ولا علة؛ فلهذا يحكم عليه بأنه حديث صحيح.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير