هذا الكلام متعلق بالحديث الحسن الذي سبق بعضه يوم أمس، قد تقدم لنا أن هذا الحديث، أو أن هذا القسم من أقسام الحديث سار المؤلف -رحمه الله- إلى أن في معناه اضطرابا بين أهل العلم، وبناء على ذلك فقد عدد أو ذكر تعريفات عن أهل العلم في هذا القسم، على خلاف ما جرت به العادة من الاختصار في المباحث، وتقدم ما ذكره عن الخطابي، وأن ذلك متعلق بالحديث الحسن.
ثم عرف المؤلف -رحمه الله تعالى- الحسن لذاته بعد أن ذكر تعريف الخطابي المتعلق بالحديث الحسن لذاته، ثم بعد ذلك أورد كلام الترمذي المتعلق بالحديث الحسن لغيره، والحديث الحسن عند الترمذي -كما سبق لنا- هو الحديث الذي تجتمع فيه ثلاثة شروط. الأول: ألا يكون راويه متهما.
الثاني: ألا يكون شاذا.
الثالث: أن يروى من غير وجه.
وتقدم الكلام على هذه الشروط، واختلاف أهل العلم في شرط أو في تعريف الحديث الحسن عن الترمذي، إنما هو راجع إلى الشرطين الأخيرين، فبعضهم يرى أن قوله" ولا يكون شاذا" هذا محمول على الشذوذ بمعناه المشهور عند الإمام الشافعي، وهو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه.
وهذا الكلام سبق لنا أنه كلام غير صحيح؛ لأن قوله في الأول لا يكون في إسناده من يتهم أن هذه الكلمة إذا قيل فلان لا يتهم، هذه إشارة إلى ضعفه، لكنه لم يبلغ إلى حد الاتهام، وعلى ذلك فلا يكون في هذا مدخل للثقة، وظهر أن هذه الكلمة، كلمة شاذ واشتراط نفي الشذوذ عن هذا الحديث، إما أن المراد أن يكون نفي مطلق التفرد، ومعلوم أن تفرد الضعيف شذوذ ونكارة.
وعلى هذا يكون الشرط الثالث مؤكدا للشرط الثاني، وهو قوله: "وأن يروى من غير وجه" وإما أن يكون المراد بقوله: "ولا يكون شاذا" على معنى ألا تقع مخالفة من الضعيف سواء في متن الحديث أو في إسناده، فيكون قوله: ولا يكون شاذا أي: لا يكون منكرا، لا في الإسناد ولا في المتن، ثم يأتي بعد ذلك الشرط الثالث: وهو أن يأتي الحديث من طريق أخرى أو يكون للحديث متابع أو شاهد، وبهذا تم كلام الإمام الترمذي- رحمه الله تعالى-.
وبناء على هذا الحد الذي ذكره الإمام الترمذي، وعرف به الحديث الحسن، يرد في كلام الإمام الترمذي- رحمه الله- قوله: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وهذان لفظان أحدهما حسن، والحسن تقدم لنا اصطلاحا، والثاني غريب، والغرابة المراد بها التفرد، فهو في الحديث اشترط ألا يكون راويه متفردا به، وها هنا جمع في الظاهر بين النقيضين، جمع بين الحسن ومن شرطه ألا يكون فردا، وجاء بكلمة غريب، وهي تدل على التفرد، وأكد بذلك في بعض الأحاديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
ومن ها هنا استشكل المؤلف، ومن جاء قبله من العلماء، ومن لحقه من العلماء، استشكلوا هذا الجمع، وكل له جواب وكل جواب من هذه الأجوبة لا يسلم من الاعتراض، لكن الأظهر -والله أعلم- أن هناك لفظين عند الإمام الترمذي، لفظ مركب، ولفظ مفرد، فلا يحمل اللفظ المركب على اللفظ المفرد، فقوله: حسن هذا لفظ مفرد وقد عرفه الإمام الترمذي، فإذا ورد لنا لفظ حسن صرفناه، أو ورد حكم للترمذي على حديث بأنه حسن صرفناه إلى الشروط الثلاثة التي ذكرها، لكن إذا جاء حسن غريب فلا ينبغي أن يحمل الشطر الأول من هذا التركيب على حد الحسن الذي ذكره الإمام الترمذي- رحمه الله-.
بل اللفظ المفرد يفسر بما فسر به الترمذي، فقد فسر الحسن تفسيرا مفردا، وفسر الغريب تفسيرا مفردا، فينبغي إذا ورد لنا كلمة حسن عند الترمذي نحملها على ما استوفى هذه الشروط الثلاثة، وإذا وردت لفظة غريب مفردة، تحمل على حد الغريب عند الترمذي والتفرد، وإذا وردت لفظة مركبة فلا ينبغي أن يجمع بين هذين المنفردين، ويحمل عليهما هذا اللفظ المركب؛ لاحتمال أن الإمام الترمذي له اصطلاح آخر يتكون من هاتين الجملتين، وهو حسن غريب، وإلا فالمقام مقام استشكال كبير عند أهل العلم، كما ذكره المؤلف- رحمه الله تعالى -. نعم.
تعريف ابن الجوزي للحديث الحسن
وقيل: الحسن ما ضعفه محتمل ويسوغ العمل به.
¥