تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مع أن هذا الأخ لو تأمل في كلام أهل العلم حق التأمل لعرف أن الاختلاف في الاصطلاحات لا يمكن أن ينفك عنه أي علم من العلوم!! فلو نظرت في الكتب المصنفة في أي علم لوجدت أن المتقدمين لهم اصطلاحات والمتأخرين لهم اصطلاحات مختلفة، وأحيانا تجد للواحد منهم عدة اصطلاحات للكلمة الواحدة، فما المانع من أن يكون (الاعتبار) له عدة معانٍ بحسب سياقها؟!

قال تعالى: {تسقى من عين آنية}، وقال تعالى: {ويطاف عليهم بآنية}، فالذي يقول إن (آنية) في الآية الأولى لا بد ويلزم حتما أن تكون بمعنى (آنية) في الآية الثانية بعيد تماما عن منهج أهل العلم!!

فهؤلاء الناس تجد عقولهم عادة ضعيفة قاصرة عن فهم واستيعاب كلام أهل العلم، فهو لا يحتمل أن يكون للكلمة عدة معان في كلام العلماء!!!

وأعتذر من هذه المقدمة الاستطرادية التي هي نفثة مصدور!

ولنأت الآن للنظر في كلام ابن حبان عن (الاعتبار)، فإذا طبقنا كلام الإمام الشافعي وحاولنا أن نتأمل في السياق والقرائن لنعرف مقصود ابن حبان بكلامه فحينئذ سيظهر لنا المراد واضحا بجلاء، ولا نحتاج حينئذ أن نقول (اللفظ محتمل ولا سبيل لحمله على معنى معين).

فإننا نعلم يقينا أن أهل العلم عندما استعملوا هذه الألفاظ كانوا يقصدون بها معنى معينا، ولكنهم ربما تركوا التصريح ثقةً منهم بفهم السامع، أو اتكالا منهم على القرائن الدالة على المراد، فإن اللفظ إذا كان يحتمل عدةَ معان فالواجب حمله على المعنى القريب المعروف من عادة المتكلم، ولا يصح حملُه على المعاني البعيدة حتى لو كانت محتملة، وكذلك لا يصح أن يهمل الكلام بناء على أنه محتمل، فإن هذا كلام أهل الأهواء الذين يبطلون دلالة النصوص بدعوى أنها محتملة!

قال ابن حبان في الثقات:

((وأذكر عند كل شيخ منهم شيخا فوقه وآخر دونه ليعتبر المتأمل للحفظ بهما فيقيس من وراءهما عليهما))، فهنا قرينة تدل على أن الاعتبار هنا يقصد به المقايسة والموازنة وليس التقوية.

وقال في بعض الرواة:

((يعتبر بحديثه من غير فلان عنه))، فهنا لا يصح أن نحمل الاعتبار على المعنى العام؛ لأن مجرد المذاكرة والنظر مع الخاصة لا يختلف الأمر فيه إذا كان من حديث فلان أو غيره، فهذه قرينة في الكلام تدل على المراد منه.

وقال في بعض الرواة:

((يعتبر حديثه من رواية الثقات عنه))، وهذه أيضا قرينة تدل على المراد.

وقال في بعض الرواة:

((لا يعتبر بمقاطيعه ولا بمراسيله))، فهذه قرينة تدل على أن المراد التقوية.

ومثله قوله: ((يعتبر حديثه إذا روى عن المشاهير)).

وقال في بعض الرواة:

((لا يعجبني الاعتبار بحديث فلان))، فهذه قرينة واضحة على أن المراد التقوية؛ لأن المدارسة والنظر مع أهل الاختصاص لا يقال عنها: لا يعجبني.

وقال في بعض الرواة:

((يعتبر حديثه إذا كان من رواية الثقات عنه، فأما رواية الضعفاء عنه فإن الوهن يلزق بهم دونه))، فلو كان لا يقصد التقوية ما كان لذكر الوهن هاهنا معنى.

وقال في بعض الرواة:

((المعتبِر إذا اعتبر حديثه الذي بين السماع منه ولم يرو عنه إلا ثقة لم يجد إلا الاستقامة))، فهنا يقصد بالاعتبار المعنى العام لا التقوية كما هو واضح من السياق.

ويقول في بعض الرواة:

((لا يعتبر بحديثه))، فهنا لا يمكن أن يكون قصده المدارسة؛ لأنه لن يكون شرا من الوضاعين والكذابين الذين نص هو نفسه على أنه يعتبر حديثهم.

ولذلك نفهم من قوله:

((وإنما يقع السبر في الأخبار والاعتبار بالآثار برواية العدول والثقات دون الضعفاء والمجاهيل)) أنه يعني التقوية؛ بخلاف الاعتبار الذي ذكره في الوضاعين.

وقال في بعض الرواة: ((ولم أعتبر ذلك الضعيف لأن رواية الواهي ومن لم يرو سيان))، فكيف تكون رواية الواهي كالعدم ثم يقول عن رواية الوضاع (تكتب للاعتبار)؟

وخذ هذه القاعدة:

إذا وجدت في كلام بعض أهل العلم تناقضا واضحا وقد تكرر مرارا، فاعلم أن الإشكال غالبا يكون في فهمك أنت لا في كلام العالم.

فنحن هنا بين أمرين:

= إما أن نجعل كلام ابن حبان متناقضا وتكرر منه هذا التناقض مرارا؛ فكأننا نقول عن ابن حبان: ذاك جاهل لا يدري ما يقول!!

= وإما أن نقول: إن ابن حبان يقصد بالاعتبار هنا معنى غير الذي يقصده هناك، وبذلك ننزل كلامه منازله الصحيحة الموافقة لكلام باقي أهل العلم.

وقد يطلق كذلك الاعتبار على الحديث لا على الراوي، كما قال أبو حاتم: يعتبر حديث الزهري بستة من أهل الحفظ والإتقان، فإنما قصد أن هؤلاء هم المرجوع إليهم في معرفة الصواب من حديث الزهري.

ـ[محمد البيلى]ــــــــ[07 - 06 - 07, 07:12 ص]ـ

شيخى الحبيب، أحسن الله إليك، أفدت و الله أيما إفادة، فجزاك الله من أهل و عشيرة خيرا.

تقول:" وأظنك أخذت هذه الشبهة من قوم تعرفهم وأعرفهم، يميلون مع كل ريح ولا يركنون إلى ركن وثيق! "، و أقول لكم، أخطأتم الظن و الله، فإنما الأمر كما أشرت فى مداخلتى الأولى، فقد كنت أبحث عن حديث " سيد الأيام يوم عرفة " على الشاملة، فوقع نظرى على كلام الشيخ الألبانى فى حديث " لا تسكنوهن الغرف .... " و رأيت ما نقله عن ابن حبان، فأثار ذلك إشكالا فى نفسى، و أحسب أن الصواب ألا أمرره مرورا سريعا، بل أحسب الخير فى الوقوف عنده و إن كنت مطمئنا بكلامكم الذى شرحتم من قبل أن تشرحوه، و الأمر كما قلت، مجرد إشكال.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير