ييسر لنا الحصول عليها بمنِّه وفضله [وأنا أسأل الله أن يحمي السنة من كيد أعدائها].
وما قيل من أن الورق رقيق والخط حديث، وأن النسخة ليس عليها سماعات ونحو ذلك، فالجواب عن هذا بينته في ((الإغلاق)) بما يكفي، ولا أطيل بذكره [وأنا لن أطيل التعقب وأكتفي بما تقدم ليكون أنموذجاً لما أهملت تعقبه، وفي الجملة فهذا البيان دال على جهل كاتبه وتلاعبه وأنه أهل للتزوير والمراوغة وأنه لا يقيم للحديث والعلم وأهلهما وزناً، والله المستعان].
[وهنا انتهى هذا التعقب الوجيز].
ثانيًا: أن أغلب من انتقد عملي جلّهم أصحاب مشربٍ واحدٍ معروف كتبوا في تفنيد نسبة القطعة المذكورة لمصنف عبد الرزاق بحسب ظنهم واتجاههم، ولم يسلكوا النقد العلمي النزيه بل جنحوا إلى التشهير والسبّ والشتم الذي هو سبيل من ضَعُفت حجته كما هو معروف عند أهل العلم.
وأحبُّ أن أبين للقارئ الكريم إلحاقاً بما كُتب في (الإغلاق) أنّ الحكم على طرحي لهذه النسخة يتطلب أربعة أمور هي:
1 - ردٌ موثقٌ من علماء موطن المخطوط بالقول بوضعها، وقد تحققنا من كبار علماء تلك البلاد من فقهائها ومحدثيها فأعربوا جميعًا على أنها نسخة نادرة ومعروفة بينهم.
2 - إجماع أهل الخبرة بالمخطوطات بأنها موضوعة، وهذا أمر غير متحقق لاختلاف وجهات النظر في ذلك.
3 - رؤية شهود عدول في موطنها بوضعها، وقد تحققنا من ذلك فتبين لي بعد البحث أنها ليست مزورة بل لدي شهودٌ عدول من موطنها وعلماء أجلاء من بلاد شتى، قالوا: إنها درة يتيمة في بابها وينبغي إخراجها.
وليس هذا تعنتاً وتكبراً بل هو إحقاقٌ للحق وإظهار له، ولو ثبتَ لديّ ما ثبت للمعترض ما تأخرتُ لحظةً عن التراجع عنها، والله على ما أقول شهيد.
4 - أن تكون أحاديثه متعارضة مع ثوابت الدِّين أو مركبة تركيباً مخالفاً للأصول الحديثية، وقد تحققنا من ذلك ورددنا على مزاعم المعترضين في ذلك وقد تبين لنا بالبراهين الساطعة أن ما زعمه المعترضون باطلٌ كما بيناه في (الإغلاق).
وأريد أن أُبيِّن للقارئ الكريم سيرة السلف في مثل ما نحن بصدده، وكيف كان تعاملهم ومنهجهم في ذلك، ومثالاً على ذلك ما نقله الإمام أبو منصور البغدادي النيسابوري في تفسير الأسماء والصفات في الجزء الثالث (ق 210 إلى 211):
" وأما قول عبد الله بن عمرو بن العاص: (أنه خلق الملائكة من شعر ذراعية وصدره أو من نورهما)؛ فإن عبد الله بن عمرو لم يرفعه إلى النبي عليه السلام، وقيل إنه أصاب يوم اليرموك وَسْقين من كتب الروم فكان يحدث بما فيها من العجائب حتى قيل له يومًا: حدثنا بما سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تحدثنا من وَسْقك، ولو صح هذا الحديث مرفوعًا لاحتمل أن يكون خلق الملائكة من شعر ذراع بعض خلقه، ويؤيد ذلك ما روي أن الزهري لما روى هذا الحديث قال عقيبه: والأذرع كلها لله عزَّ وجلَّ وأشار بذلك إلى إضافة الذراع والنور إليه من جهة الملك لا من جهة الصفة، والله أعلم ". ا هـ.
فانظر رعاك الله إلى هدي السلف والمحدثين فيما سبق، فلم يحكموا على عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - بالوضع ولا بتعمده الكذب ولم يطعنوا فيه، بل طالبوه بالتحديث بما سمع، مع أنَّ الحديث غير صحيح وفيه ما لا يليق بجلال الله سبحانه تعالى، وعلى فرض صحته فهو مؤول بما قاله الزهري فيما سبق.
وسلك بعض المعاصرين هذا المسلك، فقد ذكر الشيخ ابن القيم في كتابه ((زاد المعاد)) (3/ 673 ـ 677) روايةً في قدوم وفد بني المُنْتَفِقِ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من رواية عاصم بن لقيط عن لقيط بن عامر، وهو حديث طويل وفيه: ((فأصبح ربُّك - عزَّ وجَلَّ - يطوفُ في الأرضِ، وخَلَتْ عليه البلادُ ... )). قال ابن القيم عقب الحديث: ((هذا حديث كبير جليل، تُنادي جلالتُهُ وفخامتهُ وعظمتُهُ على أنه خرج من مشكاة النبوة .... )) إلخ كلامه.
¥