الطلاب المبتدئون من محبي الشيخ ومقلديه، ولقد عزمت على إخراج هذا الرد مع ما أتوقعه من تشنيع المشنعين إلا أني حريص على إسداء النصح لمن يستحقه، وعلى المشاركة في النقاش الذي يساعد في تجلية الحقائق.
تأمل قوله (11 - 12): «فإن خالف أحد هذه الأخلاق، فليعلم أنه أول مخذول، فالحق أبلج والدين محفوظ، فلن ينفعه أن يشنع على الحق، ولا أن يسعى في تخريب علوم الدين» ما هذا؟ "مخذول"!! "تخريب علوم الدين"!!، لماذا كل هذه الثقة والاعتداد بالنفس وكل هذه الأحكام الخطيرة؟ لقد ذكرتني العبارة الأخيرة بحكم بعضهم بالزندقة على من يرى أن مسلما رتب أسانيد الأحاديث في كتابه بحسب القوة، وأنه ربما أبدى بعض العلل في صحيحه، بمثل هذه الأحكام تتنافر القلوب بعد ائتلافها، ويتربى الشباب على التعصب ويتمرنون على التبديع وإقصاء المخالف، حتى أصبحنا نسمع بمن يبدع غيره لأنه خالف ابن حجر في تعريف الحديث الشاذ.
وفي ختام هذه المقدمة أقول ماذا على الشيخ لو حذف هذه العبارات -أو المقدمة كلها -، وقال عوضا عنها نحوا من قولي: إني أعرض هذا البحث الذي بذلت فيه كل وسعي للوصول إلى الحق بدلائله، ليطلع عليه أهل الاختصاص وينظروا ما فيه، وإني أعلم أن بعضهم سيتعجب من هذا الرأي الذي يحسبه جديدا، وربما أنكره، لكني أود من كل قارئ أن لا يتسرع في حكمه على البحث أو كاتبه، وأن ينظر فيه نظر منصف متجرد، فإن اقتنع بما فيه فبها ونعمت، وإن لم يقتنع فإن المسألة علمية وقد سبقه إلى رأيه علماء كبار، ومن تعقب بحثي هذا أو بعض ما فيه فإني سوف أكون سعيدا بذلك، وإني حريص كل الحرص على الاقتداء بالسلف الصالح في اتباع الدليل حيثما كان وفي قبول النصح ممن كان، وليحرص إخواني الذين قد يخالفونني ولا يعجبهم ردي أن يكونوا كما كان السلف في مناظراتهم "كان كل منهم يجتهد في نصر قوله بأقصى ما يقدر عليه، ثم يرجعون بعد المناظرة إلى الألفة والمحبة والمصافاة والموالاة من غير أن يضمر بعضهم لبعضهم ضغنا ولا ينطوي له على معتبة ولا ذم، بل يدل المستفتي عليه مع مخالفته له ويشهد له بأنه خير منه وأعلم» (مختصر الصواعق2/ 518)، وإني أذكر نفسي وإخواني بكلمات الشافعي الثلاث التي رواها ابن حبان وقال:" إنه ما تكلم بها أحد في الإسلام قبله ولا تفوه بها أحد بعده" اهـ، الأولى رواها عن ابن خزيمة عن المزني قال سمعت الشافعي يقول: «إذا صح لكم الحديث فخذوه ودعوا قولي، والثانية رواها عن ابن المنذر عن الزعفراني قال سمعت الشافعي يقول ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ، والثالثة رواها عن موسى بن محمد الديلمي عن الربيع قال سمعت الشافعي يقول: «وددت أن الناس تعلموا هذه الكتب ولم ينسبوها إلي».
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[30 - 06 - 07, 01:25 م]ـ
المسألة الأولى: تحرير المذاهب
أين تحرير محل النزاع؟
إن مما فات الشيخ في بحثه أن يحرر محل النزاع بين الفريقين، ولا أقول بين البخاري ومسلم لأن الشيخ لا يوافق على أن البخاري يخالف مسلما في مذهبه.
وتحرير محل النزاع من أهم سمات البحث العلمي الموضوعي، لأنه يساعد في التركيز على معاني عبارات المصنفين والتبين من مقاصد أصحابها ويحول دون الوقوف عند ظاهرها، وذلك بتقسيم الموضوع وتحليله إلى مفرداته وجزئياته، ومن شأن ذلك أن يبعد الباحث عن التعميم في الأحكام وأن يعينه على الوصول إلى الحقيقة والاقتراب من الصواب.
فأقول مستعينا بالله تعالى:
إذا روى الراوي عمن عاصره فله ثلاثة أحوال:
الأولى: أن يكون قد سمع منه وعلمنا ذلك بالدلائل والقرائن كثبوت اللقي.
الثانية: أن نعلم أنه لم يسمع منه، بأن نقف على دليل أو قرينة تنفي سماعه منه ولقيه له.
الثالثة: أن يثبت لا لدينا شيء من دلائل السماع ولا نفيه.
فأما الصورة الأولى: فإن العنعنة فيها مقبولة إلا من المدلس المشهور بالتدليس –على خلاف-.
¥