تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[30 - 06 - 07, 01:55 م]ـ

قال (84):" السابع: أن البخاري شيخُ مسلم الأجلُّ لديه، الأكبر في عينيه. ولم يزل مسلم معظّمًا للبخاري، منابذًا لأعدائه. وهو القائل له لما ورد البخاري نيسابور سنة (250هـ)، أي سنة انتهاء مسلم من تصنيف صحيحه (كما سبق): ((دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدّثين وطبيب الحديث في علله)) .... فهل بعد هذه المحبّة وذلك التعظيم والتقديم يمكن أن يكون مسلم يقصد البخاريَّ بتلك العبارات البالغة الشدّة، التي سيأتي ذكرها، والتي يصف فيها مخالفَه بالجهل وخمول الذكر وأنه لا وزن له ولا اعتبار؟!! "

الجواب: هذا إشكال وجيه يحتاج إلى شرح وتوجيه، ولا دلالة فيه على قوة الإجماع، وللعلماء عدة توجيهات ننقلها هنا للفائدة:

التوجيه الأول: قول الذهبي في السير (12/ 573):" ثم إن مسلما لحدة في خلقه انحرف أيضا عن البخاري ولم يذكر له حديثا، ولا سماه في صحيحه، بل افتتح الكتاب بالحط على من اشترط اللقي لمن روى عنه بصيغة عن وادعى الإجماع في أن المعاصرة كافية، ولا يتوقف في ذلك على العلم بالتقائهما، ووبخ من شرط ذلك، وإنما يقول ذلك أبو عبد الله البخاري وشيخه علي بن المديني، وهو الأصوب والأقوى."

التوجيه الثاني: قول المعلمي، في كتاب العبادة –مخطوط- (لوحه 97): «وأهل العلم إذا بلغهم خطأ العالم أو الصالح وخافوا أن يغتر الناس بجلالته ربَّما وضعوا من فضله وغبروا في وجه شهرته مع محبتهم له ومعرفتهم بمنزلته، ولكن يظهرون تحقيره لئلا يغتر به الناس، ومن ذلك ما ترى في مقدمة صحيح مسلم من الحط الشديد على البخاري في صدد الرد عليه في اشتراط ثبوت لقاء الراوي لمن فوقه حتى لقد يخيل إلى القاري ما يخيل إليه مع أن منزلة البخاري في صدر مسلم رفيعة ومحبته له وإجلاله أمر معلوم في التاريخ وأسماء الرجال، وقد يكون من هذا كثير من طعن المحدثين في أبي حنيفة رحمه الله تعالى، ولعل مما حملهم على هذا علمهم بأن العامة وأشباه العامة يغترون بفضل القائل في نفسه فإذا قال لهم العلماء أنه أخطأ مع جلالته وفضله قالوا قد خالفتموه وشهدتم له بالجلالة والفضل فقوله عندنا أرجح من قولكم بشهادتكم، وهكذا قال بعض الناس لعمار رضي الله عنه ..... : «فنحن مع الذي شهدت له بالجنة يا عمار» يعنون أم المؤمنين. وبالجملة فمن علم القاعدة الشرعية في تعارض المفاسد لم يعذل العلماء في انتقاصهم من يخافون ضلال الناس بسببه ولو علم محبو المطعون فيه هذا المعنى لما وقعوا فيما وقعوا فيه من ثلب أولئك الأكابر حمية وعصبية والله المستعان».

التوجيه الثالث: -على مذهب الشيخ حاتم فإن مسلما كتب هذه المقدمة قبل أن يعرف البخاري بخمسة عشرة سنة. ويكون المقصود بالرد هو علي بن المديني وهو ما اختاره أبو غدة في تتمات الموقظة (138).

التوجيه الرابع: قول ابن رشيد (133):" ولعله لم يعلم أنه قول علي بن المديني والبخاري، وكأنه إنما تكلم مع بعض أقرانه أو من دونه ممن قال بذلك المذهب والله أعلم، فإنه لو علمه لكف غربه، وخفض لهما الجناح ولم يسمهما الكفاح ". ويؤيد هذا الأخير أن بعض الأحاديث التي انتقد المردود عليه كما في مقدمة مسلم قد صححها البخاري.

قال (86 - 87):" الدليل الثالث:

وَصْفُ مسلم لصاحب ذلك الشرط بأنه جاهلٌ خامل الذكر لا وزن له ولا اعتبار في العلم.

... فالذي أريد أن أستفهم عنه: هل البخاري وعلي بن المديني أو أحدهما جاهلٌ خاملُ الذكر لا وزن له في العلم وأحقر من أن يُردّ عليه؟!!! "

الجواب عن هذا: أولا: لا نسلم أنه وصف المردود عليه بالجهل وأنه خامل الذكر ... أين العبارات التي ورد فيها ذلك؟ فهل عبارة:" إخمال ذكر قائله" تفيد أنه خامل الذكر، أظن أنها تدل على عكس ذلك، وأظن أيضا أن خامل الذكر لا يخشى من اغترار الناس به. وهل عبارة:" اغترار الجهلة بمحدثات الأمور " تفيد أن صاحب القول جاهل، أظن أنها تدل أنه ليس بجاهل بل له نصيب من العلم والبيان بحيث يمكن أن يغتر به طلبة الحديث، لأني لا أظن أن مسلما خاف على العوام من الاغترار بقول جاهل. ثم إنه لو كان المردود عليه جاهلا خامل الذكر فعلا لما رد عليه الإمام مسلم أصلا. وهل ينزل الإمام مسلم بمستواه إلى هذا الحد.

ثانيا: مع زعمنا بأن الأظهر أنه لم يرد شيخه البخاري نقول: أين وجه الدلالة على المستدل عليه (نفي القول عن البخاري)؟ وعلى القول بأنه قصد البخاري انظر التوجيه العلمي للعلامة المعلمي المنقول آنفا.

ثم تأمل هذه العبارات الواردة في مقدمة كتاب الشيخ حاتم: «وإن كنت أعلم ولم أزل أعلم من ضعف الإنسان وجهله ما يمكن معه أن يحيف الحيف العظيم، وهو يحسب أنه على الصراط المستقيم» …؟؟ «فإن خالف أحد هذه الأخلاق، فليعلم أنه مخذول، فالحق أبلج والدين محفوظ، فلن ينفعه أن يشنع على الحق، ولا أن يسعى في تخريب علوم الدين»، قد قرأ كتابَه علماءُ أجلاء وباحثون فضلاء كاللاحم والدريس وشاغف الباكستاني وغيرهم، فلم يقتنعوا برأيه ومنهم من رد عليه، فهل الشيخ حاتم ما زال مصرا على وصفهم بالجهل والزيغ والخذلان وتخريب علوم الدين؟ وهل تلزمه كل تلك اللوازم التي شغب بها، فكل ما يعتذر به الشيخ حاتم عن نفسه ينقل هنا في الاعتذار عن مسلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير