فقد نقل ابنُ رُشيد عن جزء لأبي عَمرو الداني باسم: (بيان المتّصل والمرسل والموقوف والمنقطع) أنه قال: ((وما كان من الأحاديث المعنعنة التي يقول فيها ناقلوها: عن، عن= فهي متّصلةٌ، بإجماع أهل النقل، إذا عُرف أن الناقلَ أدرك المنقولَ عنه إدراكًا بَيِّنًا، ولم يكن ممن عُرف بالتدليس، وإن لم يذكر سماعًا))."
الجواب: قال الشيخ حاتم (99):" وهو كثير النقل عن الحاكم والاعتماد على كلامه"، فهو متبع له لا متابع له.
قال (105):" ورابعُ من نقل الإجماع أيضًا أبو بكر البيهقي (ت 458هـ):
فبعد أن ذكر البيهقي في (معرفة السنن والآثار) كلامًا للطحاوي أعل به حديثًا بعدم العلم بالسماع، أجابه البيهقي بقوله: ((والذي يقتضيه مذهب أهل الحفظ والفقه في قبول الأخبار: أنه متى ما كان قيس بن سعد ثقةً والراوي عنه ثقةً، ثم يروي عن شيخ يحتمله سنُّهُ ولُقِيُّهُ، وكان غير معروف بالتدليس كان ذلك مقبولاً. وقيس بن سعد مكي وعَمرو بن دينار مكي.
وقد روى قيس عمّن هو أكبر سنًّا وأقدم موتًا من عَمرو: ابنِ أبي رباح، ومجاهد بن جبر. . . (إلى أن قال:) فمن أين جاء إنكار رواية قيس عن عَمرو. "
الجواب: اتباع البيهقي للحاكم أمر معلوم أيضا وربما كان هذا وجها آخر يرجح به الرسم الصحيح لكلام الحاكم في المعرفة، لكن مع ذلك فلم ينقل عبارة تفيد الإجماع أو الاتفاق، وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن البيهقي على مذهب البخاري ومنهم الشيخ خالد الدريس (288 - 289) لكن الأمثلة المنقولة فيها نظر، فهي من المرسل الذي دلت القرائن فيه على نفي السماع. إلا أن نقل البيهقي لإعلال البخاري للروايات بعدم العلم بالسماع مقرا له معتمدا عليه جدير بالبحث والنظر.
على أن إعلال الطحاوي للحديث ليس بعدم السماع، بل أنكر الحديث لتفرد قيس بن سعد عن عمرو بن دينار، وقرينة الإنكار عنده أن قيس بن سعد غير معروف بالرواية عن عمرو بن دينار، فهذا من باب شذوذ الإسناد وقولهم فلان عن فلان لا يجيء. لذلك فإن جواب البيهقي في غير محله. وقول الشيخ حاتم عن الطحاوي أعله بعدم العلم السماع غير صحيح، وإن كان فيه حجة عليه في زعمه أنه لم ينطق أحد بمذهب البخاري قبل القاضي عياض.
قال (106 - 107):"وخامس من نقل الإجماع ابن عبد البر الأندلسي (ت 463هـ):
قال ابن عبدالبر: ((اعلم (وفقك الله) أني تأمّلت أقاويل أئمة أهل الحديث، ونظرت في كتب من اشترط الصحيحَ في النقل منهم ومن لم يشترطه، فوجدتهم أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن، لا خلاف بينهم في ذلك إذا جمع شروطًا ثلاثة، وهي:- عدالة المحدّثين في أحوالهم.
- لقاء بعضهم بعضًا مجالسةً ومشاهدَة.
- وأن يكونوا برآءَ من التدليس."
الجواب: مما يعارض به الإجماع الذي ادعاه مسلم والحاكم هذا الإجماع، وإذا تعارضا تساقطا فالخلاف ثابت ولا إجماع في مسألة السماع، قال الشيخ حاتم (108): "فهل بلغ بابن عبد البر أن اعتبر قول مسلم قولاً شاذًّا، لا يؤثر في حصول الإجماع؟!! " وجوابه إن من مذهب ابن عبد البر عدم الاعتداد بالشذوذ أعني خلاف الواحد والاثنين.
ولا أخفي أن كلام ابن عبد البر يحتمل أن يكون مراده المعنعن الذي لا خلاف فيه وهو ما توفرت فيه هذه الشروط وما اختلت فيه أحدها يثبت فيه الخلاف، لكن عبارته الأخرى تنفي ذلك عندما قال:" وقد أعلمتك أن المتأخرين من أئمة الحديث والمشترطين في تصنيفهم الصحيح قد أجمعوا على ماذكرت لك، وهو قول مالك وعامة أهل العلم" فعلم أنه يحكى مذهبا متفقا عليه وليس يحرر محل الاتفاق والنزاع.
أما تأويل الشيخ حاتم (109) للشرط الثاني "- لقاء بعضهم بعضًا مجالسةً ومشاهدَة."
ففيه سفسطة وتحكم ومصادرة قال ابن عبد البر (1/ 23 - 24):" وأما المتصل جملة فمثل مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعا أو موقوفا… وما كان مثل هذا وإنما سمي متصلا لأن بعضهم صحت مجالسته ولقاؤه لمن بعده في الإسناد وصح سماعه منه". وما أعجب قوله بعد ذلك:" إن مقصوده به: المعاصرة مع وجودِ دلائلِ اللقاء وعدمِ وجودِ قرائنَ على عدمه، لأن هذا هو شرطُ مسلم كما تقدّم، فلا تكفي المعاصرةُ إلا مع عدم وجود ما يشهد لعدم اللقاء".
وقوله مع وجود دلائل اللقاء يعني أنه على مذهب البخاري ودلائل اللقاء ثبوته في الرواية والتصريح بالسماع ولو مرة واحدة.
¥