تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و الخلاصة: إن الحكم على أيٍّ من النقَّاد بأنه متشدد أو متساهل في المنهج لا يكون بالفرحِ بنصٍّ عارضٍ قاصرٍ عن الدلالة، بل دالٍّ على نقيض ما استُدِلَّ به! وإنما باستقراء أحكام ذلك الإمام على الرواة، ومقارنتها بأحكام غيره من النقاد، ثم الخروج بعد ذلك بنتيجة يرضى عنها طالب العلم.

ـ[رجل من أقصى المدينة]ــــــــ[25 - 10 - 07, 02:10 ص]ـ

وأما مسألة (المروءة) فالحاج عيسى ينقل عن ابن الصلاح والشيخ حاتم استدلالهما بالإجماع على اعتبار المروءة في الرواية، فكان الأَوْلى به إنْ أراد نقض هذا الإجماع أن ينقل لنا نصاً مُحكَماً عن أحد أئمة الحديث يصرِّح فيه بعدم اعتبار المروءة شرطاً في عدالة الرواة.

فماذا كان جواب الحاج عيسى عن هذا الإجماع؟

قال: (وفيه نظر، فقد ذكر الخطيب وغيره أن المروءة في الرواية لا يشترطها أحد غير الشافعي كما في النكت للزركشي (3/ 325)، والصحيح عدم اعتبارها في رواة الحديث مطلقا، والواقع الحديثي يؤكد هذا الرأي، وكأن من ذكرها ونقل الإجماع عليها قد تبع الفقهاء الذين كثيرا ما يعطون الرواية أحكام الشهادة).

وهنا وقفاتٌ وسؤلاتٌ أوَّليةٌ، ينبغي على كل من أراد التعقُّبَ على غيره في هذه المسألة أن يجيب عنها:

أولاً: ما المراد بـ (لا يشترطها أحد غير الشافعي)؟ إنْ كان المراد أن الشافعيَّ أقدمُ مَن علمناه نصَّ على اشتراطها: فكما لا يخفى أن مجرد نصِّ الشافعي على اشتراطها لا يعني أن غيره لا يشترطها، فالعلم باشتراط الشافعي لها لا يعني العلم بعدم اشتراط غيره لها، فلا يكون هذا قدحاً في الإجماع الذي نقله ابن الصلاح.

ثانياً: إنْ كان المراد أن الشافعيَّ أول من اشترطها حقيقةً ولم يسبق بذلك = فكيف يقال ذلك والحاج عيسى نفسُه صحَّح الروايات عن شعبة في اعتبار المروءة في الرواية؟! والشافعي كان دون سِنِّ البلوغ عند وفاة شعبة!

بل نقل العراقي اشتراط المروءة في عدالة الرواة عن مالك وأتباعه، وكلام العراقي هذا في متناول الحاج عيسى في (التقييد والإيضاح) عند تعليق العراقي على نفس عبارة ابن الصلاح التي علَّق عليها الزركشي كلامه السابق!

بل إنَّا نجد في كتب أصول فقه الأحناف اشتراطَ المروءة في عدالة الرواة، فهل سنعدُّ أبا حنيفة أحدَ السابقين للشافعي في اشترط المروءة في الرواية؟

ففي كشف الأسرار: ((وَهَذَا بَابُ بَيَانِ شَرَائِطِ الرَّاوِي: الَّتِي هِيَ مِنْ صِفَاتِ الرَّاوِي وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْعَقْلُ وَالضَّبْطُ وَالْإِسْلَامُ وَالْعَدَالَةُ ..... وَحَاصِلُهَا [أي العدالة] يَرْجِعُ إلَى هَيْئَةٍ رَاسِخَةٍ فِي النَّفْسِ تَحْمِلُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى وَالْمُرُوءَةِ جَمِيعًا حَتَّى يَحْصُلَ ثِقَةُ النُّفُوسِ بِصِدْقِهِ)).

وفي التقرير والتحبير: (وَهِيَ) أَيْ الْعَدَالَةُ (مَلَكَةٌ) أَيْ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ (تَحْمِلُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى) أَيْ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ لِأَنَّ الصَّغَائِرَ مُكَفَّرَةٌ بِاجْتِنَابِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (وَالْمُرُوءَةِ) بِالْهَمْزِ وَيَجُوزُ تَرْكُهُ مَعَ تَشْدِيدِ الْوَاوِ وَهِيَ صِيَانَةُ النَّفْسِ عَنْ الْأَدْنَاسِ وَمَا يَشِينُهَا عِنْدَ النَّاسِ)).

ثالثاً: وإذا رجعنا إلى كلام الزركشي والعراقي فسنجد في تمامهما جواباً عن هذا الاعتراض على الإجماع (بأن الخطيبَ وغيره ذكروا أن المروءة في الرواية لا يشترطها أحد غير الشافعي).

فقد قال الرزكشي (3/ 325):

((قوله: (وخوارم المروءة):

فيه أمور:

أحدها: ذكر الخطيب وغيره أن المروءة في الرواية لا يشترطها أحد غير الشافعي، وهو يقدح في نقل المصنف الاتفاق عليه لكن إذا حقق المراد بها صح كلامه ....

الثاني لم يبين المراد بالمروءة المشترطة. وقال الماوردي في الحاوي في الباب الثاني من كتاب الشهادات المروءة على ثلاثة أضرب: أحدها ... ))

وقال العراقي:

((وقد اعترض عليه بأن المروءة لم يشترطها إلا الشافعى وأصحابه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير