" وآتاكم من كل ما سألتموه "
أي: أعطاكم من كل ما تعلقت به أمانيكم وحاجتكم، مما تسألونه إياه. بلسان الحال، أو بلسان المقال، من أنعام، وآلات، وصناعات وغير ذلك.
" وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها "
فضلا عن قيامكم بشكرها
" إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون "
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:
" إنما يستجيب "
لدعوتك، ويلبي رسالتك، وينقاد لأمرك ونهيك
" الذين يسمعون "
بقلوبهم، ما ينفعهم وهم أولو الألباب والأسماع. والمراد بالسماع هنا: سماع القلب والاستجابة، وإلا فمجرد سماع الأذن، يشترك فيه البر والفاجر. فكل المكلفين قد قامت عليهم حجة الله تعالى، باستماع آياته، فلم يبق لهم عذر، في عدم القبول.
" والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون "
يحتمل أن المعنى، مقابل للمعنى المذكور. أي: إنما يستجيب لك أحياء القلوب. وأما أموات القلوب، الذين لا يشعرون بسعادتهم، ولا يحسون بما ينجيهم، فإنهم لا يستجيبون لذلك، ولا ينقادون، وموعدهم يوم القيامة، يبعثهم الله، ثم إليه يرجعون. ويحتمل أن المراد بالآية، على ظاهرها، وأن الله تعالى يقرر المعاد، وأنه سيبعث الأموات يوم القيامة ثم ينبئهم بما كانوا يعملون. ويكون هذا، متضمنا للترغيب في الاستجابة، لله ورسوله، والترهيب من عدم ذلك.
" واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا "
أي: علمناه كتاب الله، فصار العالم الكبير، والحبر النحرير.
" فانسلخ منها فأتبعه الشيطان "
أي: انسلخ من الاتصاف الحقيقي، بالعلم بآيات الله، فإن العلم بذلك، يصير صاحبه متصفا بمكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، ويرقى إلى أعلى الدرجات، وأرفع المقامات، فترك هذا، كتاب الله وراء ظهره، ونبذ الأخلاق، التي يأمر بها الكتاب، وخلعها كما يخلع اللباس. فلما انسلخ منها، أتبعه الشيطان، أي: تسلط عليه، حين خرج من الحصن الحصين، وصار إلى أسفل سافلين، فأزه إلى المعاصي أزا.
" فكان من الغاوين "
، بعد أن كان من الراشدين المرشدين، وهذا، لأن الله تعالى خذلهد ووكله إلى نفسه، فلهذا قال تعالى:
" ولو شئنا لرفعناه بها "
بأن نوفقه للعمل بها، فيرتفع في الدنيا والآخرة، فيتحصن من أعدائه.
" ولكنه "
فعل ما يقتضي الخذلان، إذ
" أخلد إلى الأرض "
أي: إلى الشهوات السفلية، والمقاصد الدنيوية،
" واتبع هواه "
وترك طاعة مولاه،
" فمثله "
في شدة حرصه على الدنيا، وانقطاع قلبه إليها،
" كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث "
، أي: لا يزال لاهثا في كل حال، وهذا لا يزال حريصا، حرصا قاطعا قلبه، لا يسد فاقته شيء من الدنيا.
" ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا "
بعد أن ساقها الله إليهم، فلم ينقادوا لها، بل كذبوا بها، وردوها، لهوانهم على الله واتباعهم لأهوائهم، بغير هدى من الله.
" فاقصص القصص لعلهم يتفكرون "
في ضرب الأمثال، وفي العبر والآيات، فإذا تفكروا، علموا، وإذا علموا، عملوا.
" ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون "
، أي: ساء وقبح، مثل من كذب بآيات الله، وظلم نفسه، بأنواع المعاصي، فإن مثلهم مثل السوء، وهذا الذي آتاه الله آياته، يحتمل أن المراد شخص معين، قد كان منه ما ذكره الله، فقص الله قصة تبينها للعباد. ويحتمل أن المراد بذلك، أنه اسم جنس، وأنه شامل لكل من آتاه الله آياته، فانسلخ منها. وفي هذه الآيات، الترغيب في العمل بالعلم، وأن ذلك رفعة من الله لصاحبه، وعصمة من الشيطان، والترهيب من عدم العمل به، وأنه نزول إلى أسفل سافلين، وتسليط للشيطان عليه، وفيه أن اتباع الهوى، وإخلاد العبد إلى الشهوات، يكون سببا للخذلان. ثم قال ـ مبينا أنه المنفرد بالهداية والإضلال ـ:
" من يهد الله "
بأن يوفقه للخيرات، ويعصمه من المكروهات، ويعلمه ما لم يكن يعلم،
" فهو المهتدي "
حقا لأنه آثر هدايته تعالى.
" ومن يضلل "
فيخذله ولا يوفقه للخير
" فأولئك هم الخاسرون "
لأنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين.
ـ[أحمد يخلف]ــــــــ[12 - 06 - 07, 08:35 ص]ـ
¥