تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

["النص المصطنع":إجراء منهجي عملي، للوقوف على إعجاز القرآن.]

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[08 - 07 - 07, 08:20 م]ـ

"النص المصطنع":إجراء منهجي عملي، للوقوف على إعجاز القرآن البياني.

الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى من اهتدى بهداه أجمعين.

1 -

من المؤكد أن العنصر الوحيد -ملحوظا لذاته -يكون فقيرا جدا من حيث المعنى والدلالة، لكنه إذا قورن بغيره، واعتبر مع عناصر أخرى، زادت معانيه، ونشأت فيه دلالات جديدة ...

وتزايد الدلالات متناسب طردا مع تزايد عدد العناصر المقارنة، حسبما يوضحه المثل المضروب التالي:

لو سطرنا خطا على سبورة،فإنه لن يكون بوسعنا أن نقول عنه شيئا ذا بال، هو فقط "هناك"، وحتى صفة "أبيض "لا يستمدها إلا من خلال مقارنة لونه مع أرضية السبورة السوداء.

لو رسمنا الآن إلى جانبه خطا جديدا متقطعا لاكتسب خطنا توا صفة الاتصال: فهو الآن خط أبيض متصل.

ولو رسمنا على يمينه خطا قصيرا لا كتسب توا صفة الطول: فهو الآن خط أبيض متصل طويل .. وقبل ظهور الخط الجديد لم يكن من الممكن وصفه لا بطول ولا بقصر.

لو رسمنا على شمال خطنا خطا ثخينا لاكتسب صفة أخرى جديدة هي:رفيع ...

وهكذا ...

لا داعي إلى التذكير بأن هذه الخطوط الجديدة نفسها لم نستطع أن نصفها بالقصر أو الثخانة أو الانقطاع إلا باعتبار الخط الأول: فعندما نقارن عنصرين يغتنيان معا في وقت واحد.

كل هذا معهود معروف، فقديما قال شاعرنا العربي:

... وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ

وقد استثمرت- في الزمن الحديث- هذا المبدأ كثير من المناهج اللغوية والنقدية، وخاصة البنيويات،فآثروا العلاقات على حساب العناصر،ورفعوا القيم الخلافية إلى صدارة الاهتمام، لأن المعنى ما هو إلا "حزمة "من الاختلافات.

2 -

الباحث عن إعجاز القرآن-تأسيسا على ما سلف-لا بد أن يقارن العبارة القرآنية بغيرها ... فالمعجز لن يكتسب هذا الوصف إلا بحضور غير المعجز .. وهذا ما أشارت إليه أول معاجزة في القرآن-في ترتيب المصحف-

وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.

فمعجزة السورة القرآنية تثبت عند المقارنة مع سورة من مثلها.

ودور الشهود هو الفصل بين الكلامين ... ثم يأتي الحكم بعد ذلك أي الكلامين أبلغ وأعظم ...

هذا ما انتبه إليه أبو بكر الباقلاني في أول بحث منهجي في إعجاز القرآن:

فقد قام بتحليل معلقة امريء القيس مبينا تفوقها على سائر شعر العرب ومظهرا في الوقت ذاته عيوبها ... ولا ندري هل أصاب الباقلاني في نهجه السلبي هذا أم أخطأ لأن إظهار العيوب وتسفيه الشاعرالجاهلي قد لا يخدم مقصده ... فتفوق القرآن سيظهر بجلاء أكبر لو كان المنافس قويا جدا ... لكن الباقلاني رحمه الله لم يفطن لهذه النكتة فعمل معوله في الشعر الجاهلي، وكان عنترة - الشاعر الجاهلي- أكثر دهاء منه فقد كان يخلع على أضداده وأعدائه كل الصفات العليا فيصفهم بالكرم والشجاعة والصبر،ليس حبا فيهم، ولكن لتؤول كل هذه الصفات إليه،عندما سيعمل سيفه في رقابهم!!

ثم إن مقارنة القرآن مع الشعر الجاهلي لا يمكن أن تتم إلا إجمالا: فليس ثمة موضوع مشترك لندرك تفوق أسلوب على أسلوب أو صيغة على صيغة .. باستثناء حروف يسيرة كما في مقارنة البلاغيين لقوله تعالى:

{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة179

مع قول العرب:

القتل أنفى للقتل ...

فالمقارنة أثبتت فعلا أن قول العرب قول بليغ جدا جمع حسنات جمة ... لكن تعبير القرآن يعلو ولا يعلى عليه ... فقنديل الفصاحة–وهو المضيء- أصبح باهتا عندما أشرقت شمسها.

لكن مثل هذا التوافق قليل .. فليس في الوسع إلا المقايسة الإجمالية، أما المقايسة التفصيلية التي تكشف فعلا عن إعجاز القرآن فلا سبيل إليه ...

وسكوت العرب عندما تحداهم القرآن سد باب المقايسة مطلقا ..

{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} هود13

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير