[دراسة بيانية لمثل الشجرتين في سورة إبراهيم.]
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[07 - 07 - 07, 04:03 ص]ـ
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء {24} تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {25} وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ {26}
-من أسلوب القرآن في ضرب الأمثال الجمع بين النموذجين -تقابلا أو تكاملا- ...
هذه الثنائية تتحقق حينا بإدماج وحينا بغير إدماج ... وفي هذه الحالة الأخيرة إما أن يكون المثلان متجاورين في السياق المضيق بحيث يأتي المثل الثاني بعد انتهاء الاول، أو منفصلين ولكن يجمعهما السياق الموسع.
فمن النوع الأول:
-مثل الرجلين في سورة الكهف ..
-ومثل سورة الزمر: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} الزمر29
-ومثل سورة النحل: {ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} النحل75
-ومثل الشجرتين في سورة ابراهيم.
ومن النوع الثاني:
المثل الناري والمثل المائي في أوائل البقرة.
ومن النوع الثالث:
مثل النور ومثل الظلمات في سورة النور.
1 - أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً.
أنظر معاني إيقاع الضرب على المثل في هذا الرابط:
http://www.ahlalhdeeth.cc/vb/showthread.php?t=104208
2- كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَة
في جهة المشبه "كلمة" تقيدت بوصفين متضادين:"طيبة" و"خبيثة".
و في جهة المشبه به "شجرة"موصوفة في حالتين:"طيبة" و"خبيثة"كذلك.
واختيار صفة"طيبة"بليغ جدا، لأن هذا الوصف يقبل موصوفا معنويا وماديا على السواء .. ومن ثم جاز للكلمة و الشجرة أن تتصفا بها:
فالكلمة الطيبة هي المتصفة بما ترتاح له النفس من الصدق والاخلاص والحقيقة ..
والشجرة الطيبة هي المتصفة بما ترتاح لها الحواس:
-فهي طيبة في تجليها للعين.
-وهي طيبة في رائحتها المدركة بالشم .. (وطيبة لها آصرة مع التطيب.)
-وهي طيبة في مذاقها المدرك باللسان .. (طيبة لها آصرة مع طابت الثمار)
3 - أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء.
ترتيب الأصل والفرع طبعي ونفسي معا:
-فالأصل متقدم في الوجود والفرع متأخر.
ونفسي لأن حركة العين تنتقل مما يوازيها ويوجد في مقابلها وهو أصل الشجرة ثم تتحرك صاعدة مع قامة الشجرة لاكتشاف نهايتها من جهة العلو. كما يحدث مثلا عند مشاهدة عمارة سامقة -من لدن من لم يرها من قبل -حيث تقوم عينه الراصدة بحركة صاعدة من الأسفل إلى الأعلى ...
وتنبيهي على حركة العين لأن المثل مسور بفعل الرؤية:"ألم تر ... "
وفعل "رأى "مثل صفة "طيبة" من حيث الدلالة على المعنوي والمادي .. فالرؤية تكون بالبصيرة وهو المناسب للمشبه أي "الكلمة" كما تكون بالباصرة وهو المناسب للمشبه به أي"الشجرة" ... فتحقق تشاكل بديع بين الفعل والوصف.
فإن قلت: لماذا لم يطابق فيقل: جذورها في الأرض وفرعها (أو فروعها تحقيقا للمجانسة) في السماء.؟
قلنا: لا سواء ... فالقرآن لا يأتيه الباطل من أي جهة كانت .. فالجذور في الأرض ليست معروضة للبصر وقد قال في أول المثل" ألم تر .. "!!
ووصفه الأصل بالثبات أصدق وأبلغ ... فكأن المشاهد قام بفعلين:
اختبار قوة الشجرة بالدفع أو نحوه فتبين له ثباتها .. ثم تسلقها بالعين لاختبار ارتفاعها ... فتبين له توغلها في السماء.
الفرع على ما قال ابن حيان:" أعلاها ورأسها، وإن كان المشبه به ذا فروع، فيكون من باب الاكتفاء بلفظ الجنس."
قلت: ولو قال فروعها في السماء لربما فقدت الشجرة شيئا من جمالها .. فقد نتخيل مثلا نخلة لها جذع سامق جدا وفروع كلها في السماء .. وهذه لا شك أقل جمالا وجاذبية من مرأى نخلة لها فروع بعضها على بعض، متراكبة، إلى أن يغيب فرعها العلوي في السماء.
¥