[مقدمات ضرورية قبل أي تفسير علمي للقرآن.]
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[05 - 06 - 07, 08:28 م]ـ
[مقدمات ضرورية قبل أي تفسير علمي للقرآن.]
بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
أما بعد:
فقد اشتدت الحاجة إلى النظر في ما عمت به البلوى مما يسمى الاعجاز العلمي .. وقررنا أن نكتب عبارات في الموضوع قاصدين التنبيه على خطورة هذا المنهج ونرفع التحذير إلى ذوي الأحلام من المشتغلين بهذا اللون من التفسير ... -أما الغوغاء من الحروفيين والرقميين فلا شأن لنا بهم.-
1 - عندما نفسر القرآن في ضوء العلم الطبيعي الحديث، يكون الاهتمام منصبا رأسيا على إمكان تحميل هذه الآية أو تلك القدرة على الإشارة –تصريحا أو تلميحا-إلى هذه"الحقيقة" العلمية الجديدة أو تلك ... وبعبارة أخرى يتأسس خطاب مبني على آليات المطابقة والمشابهة أو الاستباق والالتحاق. وفي غمرة هاجس وجوب التوحيد بين الآية القرآنية والعبارة العلمية يتناسى أمر حاسم هو إلقاء الضوء على العنصرين المراد ربطهما أعني القرآن والعلم .. بناء على القاعدة الأولية التي تنص على أن الحكم عن الشيء فرع عن تصوره. وفي مسألتنا هذه لا بد من مساءلة هذا العلم وإخضاعه للنقد وتمحيص خطابه لمعرفة أسسه وحدوده ومقاصده ... -لا يقال هنا وكذلك القرآن، لأن القرآن في مسلماتنا المنهجية داخل صعيد التداول الإسلامي كلام الله الحاكم على غيره ولا يجوز بحال أن يكون محكوما بغيره-
نقد العلم الحديث،إذن، ضرورة منهجية بل-أكاد أقول- ضرورة شرعية ما دمنا قد عقدنا العزم على تفسير القرآن به ... والجهل بحقيقة هذا العلم يؤول إلى التقول على الله وتفسير كلامه بالرأي الحرام أو بالتقليد الخالي من الحجة والسلطان.
لكن الملاحظ –مع الأسف-أن جل المفسرين العلميين عندنا لا يفرحون لشيء فرحهم بوجود كلمة في القرآن شابهت مادتها أو صيغتها "شيئا"ما قيل في مجلة علمية أو حوار دار في نيويورك أو طوكيو ... أما أن يتوجس أو يتهم محرري المجلة وأعضاء مائدة الحوار فذلك أبعد من أن بخطر بباله ... وقد يتلقف المفسر العلمي فرضية تسربت من هنا أوهناك ... فيهرع إلى البحث عن ذلك "الشيء" الموجود في مكان ما من القرآن والذي ذكره به كلام العالم الاسكتلندي، أو غيره، .... ثم يعقد مؤتمر –من سلسلة مؤتمرات-لإظهار إعجاز القرآن على الملأ .. يتلفظ فيه باسم الاسكتلندي الكافر، أو غيره، بطريقة تكشف عن رنين الاسم الأعجمي وكأن هذا الرنين لوحده حجة وبرهان ....
يحدث هذا عندنا ... وفي الوقت ذاته تكون تلك الفرضية تسلية في المجالس عندهم ... أو مزحة مستطابة يتذكر بها الناس خفة دم صاحبهم الاسكتلندي ....
والعجيب أننا –نحن المسلمين-نجد في أنفسنا غاية التحمس لهذا العلم بحيث ينطبق علينا وصف "ملكيين أكثر من الملك نفسه" .. فمع أننا أبعد الناس عن المساهمة في هذا العلم وكشوفاته،على صعيد الفعل، نجد أنفسنا سباقين،على صعيد الحكم، إلى التصريح بأن العلم الحديث قد أثبت كذا .. أو قرر كذا ... أو تيقن من كذا.
نقول نحن "أثبت" و"قرر" و"تيقن" بينما أصحابه أول من يعلم أن علمهم ذاك مبني على الظنون والشكوك ... بل لقد أجمعوا على أن علمهم متطور ونسبي ومن زعم منهم أن حقيقة ما يقينية فلا أقل من أن يتهم بالهرطقة والبعد عن الروح العلمية ... وسنحاول أن نورد هنا كلام أساطينهم في هذا الشأن لنثبت لإخواننا المفسرين أن منهجهم لا يرتضيه المسلمون ولا الكفار أنفسهم.
2 - ماذا قال سان جون بيرس على منبر مؤسسة نوبل؟
في عاشر دسمبر من سنة 1961 من العهد النصراني ألقى الشاعر والدبلوماسي الفرنسي سان جون بيرس في استوكهولم خطابا مشهودا -آية في الفصاحة الفرنسية -عند تسلمه جائزة نوبل للآداب لتلك السنة ... ولا أعتقد أن المستمعين منهم قد فوجئوا بالمحتفى به وهو يعلن في كلمته من فوق المنبر:أن الشعر شقيق الفزياء ... وأن الابداع في الفزياء يشبه الابداع في الشعر.
لم يكن بيرس يمزح فى إعلانه لتلك التوأمة بين الشعر والفزياء .. فالمقام غير مناسب تماما ...
قال: [أرجو أن تكون ترجمتي قريبة]
عندما نقدرفاجعة العلم الحديث الذي اكتشف حدوده العقلية حتى في المطلق الرياضي،
عندما نرصد في الفزياء مذهبين رئيسين يضع أحدهما مبدأ للنسبية العام، وثانيهما مبدأ كوانتيا للاحتمال وعدم اليقين، يحدان إلى الأبد دقة القياسات الفزيائية نفسها.
عندما سمعنا أعظم مجدد علمي في هذا القرن ورائد علم الكون الحديث وصاحب أوسع تركيب ذهني بلغة المعادلات يقترح الاستعانة بالحدس لنجدة العقل ويعلن أن الخيال هو أولى تربة لاختمار الفكر العلمي ... بل يذهب إلى أنه يتعين على العالم أن يتمتع برؤية فنية حقيقية ..
عند كل هذا ألا يحق لنا أن نعتبر الشعر له نفس مشروعية المنطق؟
في الحقيقة إن كل ابداع للعقل هو أولا إبداع شعري بالمعنى الحقيقي للكلمة. انتهى.
يبدو أن تسور الشاعر سان جون بيرس حرم الفزياء ما كان ليتحقق لولا أن أدرك –وبشهادة الفزياويين أنفسهم-أن الفزياء ليس هو ذلك العلم الصارم الموغل في الدقة واليقين ...
ولعل الشاعر الفرنسي هنا أحسن حالا من فيلسوف العلم النمساوي الأصل بول فايربند
الذي أعلن بجرأة قريبة من الوقاحة أن الخطاب العلمي لا فضل له على أي خطاب آخر ..
وتفضيل الناس للعلم على السحر مثلا ليس له أي تبرير عقلي ...
وقبل أن نعرض لرؤية فايربند التقييمية للعلم نبدأ بنظرية كارل بوبر في الموضوع ....
-يتبع-
¥