لو تأملنا الدلالات المعجمية الذاتية والإيحائية لفعل ضرب لوجدنا هذا الفعل هو الأنسب لكي يوقع على المثل.فثمة تشاكل بديع بين معاني الضرب ووظيفة المثل ... وسنقتصر هنا على بيان ثلاث دلالات:
أ- قال ابن عاشور في تحريره:"أصل الضّرب هو إيقاع جسم على جسم وقرعه به، فالسير ضرب في الأرض بالأرجل ... "
فالضرب والقرع يقترنان بالشدة مع حدوث صوت منبه بسبب احتكاك الجسمين ... وهذا يناسب تماما إحدى وظائف المثل وهي تنبيه الناس وإثارة أذهانهم .. كما في قوله عز وجل:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ... } الحج73
فتشاكل في الآية الكريمة فعل الضرب مع حاسة السماع والدعوة إلى الانتباه ...
وهذا سبب -والله أعلم- من أسباب ورود النهي عن ضرب الأمثال لله تعالى ... فالله ليس غافلا فينبه ....
{فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} النحل74
وضرب الأمثال لله هو من ديدن الكفار والمشركين،:
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} يس78
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} الزخرف17
ب-مادة"ضرب"قد تأتي بمعنى "مثل" فيتحول التشاكل إلى ترادف ..
قال في اللسان:
-"الضَّرْبُ المِثْل والشَّبيهُ وجمعه ضُرُوبٌ وهو الضَّريبُ وجمعه ضُرَباء ..
-وقوله عز وجل كذلك يَضْرِبُ اللّهُ الحقَّ والباطلَ أَي يُمَثِّلُ اللّهُ الحقَّ والباطلَ حيث ضَرَبَ مثلاً للحق والباطل والكافر والمؤمن في هذه الآية.
-ومعنى قوله عز وجل واضْرِبْ لهم مثلاً أَي اذْكُرْ لهم و مَثِّلْ لهم.
-يقال عندي من هذا الضَّرْبِ شيءٌ كثير أَي من هذا المِثالِ
- وهذه الأَشياءُ على ضَرْبٍ واحدٍ أَي على مِثالٍ
- قال ابن عرفة ضَرْبُ الأَمْثال اعتبارُ الشيء بغيرِه.
- فمعنى اضْرِبْ لهم مَثَلاً مَثِّلْ لهم مَثَلاً."
قال ابن عاشور في تفسيره لقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا .. } البقرة26
"وجوز بعض أئمة اللغة أن يكون فعل ضرب مشتقاً من الضرب بمعنى المماثل فانتصاب {مثلاً} على المفعولية المطلقة للتوكيد لأن مثلاً مرادف مصدر فعله على هذا التقدير، والمعنى لا يستحي أن يشبِّه بشيء ما "
على هذا المعنى يكون فعل "ضرب" يوحي بإحدى وظائف المثل وهو الاعتبار والانتقال من النظير إلى النظير ... فالناس أضراب ما يقع لبعضهم قد يقع لغيرهم إذا اتحدت الاسباب وتماثلت العلل.
ج-من معاني الضرب الصياغة ...
ف"ضرب المثل" يوحي في الذهن بمعنى" ضرب السكة" ... قال الأزهري في تاج العروس:
"ثم إِنه اخْتُلِفَ في أَنَّ ضَرْبَ المَثَل مَأْخَوذٌ مِمَّاذَا؟ فقِيل: من ضَرْبِ الدِّرْهَم صَوْغُه لإِيقَاعِ المَطَارِق سُمِّيَ به لتَأْثِيرِه في النُّفُوسِ ... "
على هذا القول سنلحظ توافقات عجيبة بين السكة المضروبة والمثل المضروب ... توافقات على صعيد الشكل والمضمون معا:
-شكليا العملة منقوشة لا تتغير صياغتها وكذلك المثل المضروب لا يتغير تركيبه فهو عبارة مصكوكة ومسكوكة ... فمثل" الصيف ضيعت اللبن" يحتفظ بخطاب الأنثى دائما سواء قيل لامرأة أو لرجل لفرد أو لجماعة.
-دلاليا:العملة النقدية الواحدة تتداولها الأيدي وتستعمل لمرات كثيرة دون أن تفقد شيئا من قيمتها .. وتبقى دائما صالحة للصرف والشراء. وكذلك المثل تتداوله الألسنة والأقلام في ظروف مختلفة دون أن يفقد شيئا من مخزونه المعنوي.
لعل في هذا الطابع التكراري ما يكشف عن سر استعمال فعل "صرف"في الحالتين الوحيدتين حيث وقع العدول عن "الضرب"،أعنى في آية الإسراء وآية الكهف.
والله أعلم.
2 -
رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ....
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[18 - 06 - 07, 07:53 م]ـ
2 -
رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ....
من الرجلان؟
من الذي امتلك الجنتين منهما؟
القرآن أبهم ... وفي هذا الإبهام سر بياني بديع!
لقد رجح جمهور المفسرين الأصل الواقعي للقصة بدل الطابع الافتراضي للمثل. وفي ذلك يقول الألوسي:
¥