تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما اعتراض الجصاص على الأحاديث الواردة في سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: «إنها من وضع الملاحدة» فهذا قول باطل ولا حجة معه، بل هي أحاديث صحيحة خرجها الشيخان وغيرهما.

4 ـ رأيه في الرؤية:

ذكر الجصاص عند تفسيره لقوله تعالى: (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ) (الأنعام:103) معنى هذه الآية، فقال: «معناه: لا تراه الأبصار، وهذا تمدح ينفي رؤية الأبصار، كقوله تعالى: (لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ) (البقرة:255)، وما تمدح الله بنفيه عن نفسه، فإن إثبات ضده ذم ونقص، فغير جائز إثبات نقيضه بحال، كما لو بطل استحقاق الصفة بـ (لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ)

(البقرة: 255) لم يبطل إلا إلى صفة نقص، فلما تمدح بنفي رؤية البصر عنه، لم يجز إثبات ضده ونقيضه بحال، إذ كان فيه إثبات صفة نقص. ولا يجوز أن يكون مخصوصاً بقوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (القيامة: 22 ـ 23)؛ لأن النظر محتمل لمعان منه انتظار الثواب ـ كما روي عن جماعة من السلف ـ فلما كان ذلك محتملاً للتأويل لم يجز الاعتراض عليه بما لا مساغ للتأويل فيه. والأخبار المروية في الرؤية إنما المراد بها العلم لو صحت، وهو علم الضرورة الذي لا تشوبه شبه ولا تعرض فيه الشكوك؛ لأن الرؤية بمعنى العلم مشهورة في اللغة" (42).

فيظهر من كلام الجصاص إنكاره لرؤية الله عز وجل، وتأويله للأحاديث المروية فيها، وهذا هو عين مذهب المعتزلة.

يقول البغوي عند تفسيره لقوله تعالى: (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ) (الأنعام:103): «يتمسك أهل الاعتزال بظاهر هذه الآية في نفي رؤية الله عز وجل، ومذهب أهل السنة: إثبات رؤية الله عز وجل عياناً، قال تعالى: (صلى الله عليه وسلم (() (القيامة: 22 ـ 23)، وقال: (كَلا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ) (المطففين: 15). قال مالك رضي الله عنه: «لو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة، لم يعير الله الكفار بالحجاب. وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) (يونس: 26) فسره بالنظر إلى وجه الله عز وجل. أخبرنا عبدالواحد المليحي، أنبأنا أحمد بن عبدالله النعيمي، أنبأنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد ابن إسماعيل، حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا عاصم بن يوسف اليربوعي، أنبأنا أبو شهاب عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن حازم، عن جرير بن عبدالله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنكم سترون ربكم عياناً» (43).

وأما قوله: (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) (الأنعام: 103) علم منه أن الإدراك غير الرؤية؛ لأن الإدراك هو: الوقوف على كنه الشيء والإحاطة به، والرؤية: المعاينة، وقد تكون الرؤية بلا إدراك.

قال الله تعالى في قصة موسى ـ عليه السلام ـ: (فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء: 61 ـ 62)، وقال: (لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى) (طه: 77)، فنفى الإدراك مع إثبات الرؤية، فالله عز وجل يجوز أن يرى من غير إدراك وإحاطة، كما يعرف في الدنيا ولا يحاط به. قال الله تعالى: (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) (طه: 110)، فنفي الإحاطة مع ثبوت العلم. قال سعيد بن المسيب: «لا تحيط به الأبصار»، وقال عطاء: «كلت أبصار المخلوقين عن الإحاطة به»، وقال ابن عباس ومقاتل: «لا تدركه الأبصار في الدنيا وهو يرى في الآخرة» (44).

ويؤخذ من هذا: أن الجصاص له بعض الآراء التي يميل فيها إلى ما تذهب إليه المعتزلة.

على أن العلماء رجحوا ـ بعد هذا كله ـ أن الإمام الجصاص من أهل السنة، ولا يمت إلى المعتزلة بصلة، وذلك لعدة أمور أهمها:

أولاً: أن ذكره في طبقات التراجم مع المعتزلة كما فعل الجشمي، والقاضي عبدالجبار (45) ليس شرطاً أن يجعله منهم، وقد جُعل الجصاص في الطبقة الثانية عشرة والأخيرة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير