فالعفو قد يمكن أن يكون غير إصلاح، فقد يكون هذا الذي جنى عليك واجترأ عليك رجلاً شريراً معروفاً بالشر والفساد، فلو عفوت عنه لتمادى في شره وفساده فالأفضل في هذا المقام أن تأخذ هذا الرجل بجريرته، لأن في ذلك إصلاحا ً. قال شيخ الإسلام ابن تيميه (الإصلاح واجب، والعفو مندوب، فإذا كان في العفو فوات الإصلاح فمعنى ذلك أننا قدمنا مندوباً على واجب، وهذا لا تأتي به الشريعة) وصدق رحمه الله.
** تنبيه مهم**
وإنني بهذه المناسبة أود أن أنبه على مسألة يفعلها كثير من الناس بقصد الإحسان، وهي أن تقع حادثه من شخص، فيهلك بسببها شخص آخر، فيأتي أولياء المقتول فيسقطون الدية عن هذا الجاني الذي فعل الحادث، فهل إسقاطهم للدية محمود ويعتبر من حسن الخلق؟ أم في ذلك تفصيل؟
في ذلك تفصيل، فلابد أن نتأمّل ونفكر في حال هذا الجاني الذي وقع منه الحادث، هل هو من الناس المعروفين بالتهور وعدم المبالاة؟ هل هو من الطراز الذي يقول: أنا لا أبالي أن أدهس شخصاً لأن ديته في الدرج والعياذ بالله.
أم أنه رجل حصلت منه هذه الحادثة مع كمال التعقل وكمال الاتزان، ولكن الله تعالي قد جعل لكل شيئاً مقداراً.
في ذلك تفصيل، فلابد أن نتأمّل ونفكر في حال هذا الجاني الذي وقع منه الحادث، هل هو من الناس المعروفين بالتهور وعدم المبالاة؟ هل هو من الطراز الذي يقول: أنا لا أبالي أن أدهس شخصاً لأن ديته في الدرج والعياذ بالله.
أم أنه رجل حصلت منه هذه الحادثة مع كمال التعقل وكمال الاتزان، ولكن الله تعالي قد جعل لكل شيئاً مقداراً.
إن كان من هذا الطراز الأخير فالعفو في حقه أولى، ولكن حتى وإن كان من هذا الطراز المتعقل المتزن، يجب قبل أن نعفو عنه أن ننظر: هل على الميت دين؟ فإذا كان على الميت دين، فإنه لا يمكن أن نعفو، ولو عفونا فإن عفونا لا يعتبر. وهذا مسألة ربما يغفل عنها كثير من الناس، ونحن نقول ذلك لأن الورثة يتلقون الاستحقاق لهذه الدية من الميت الذي أصيب بالحادث، ولا يردُ استحقاقهم إلا بعد قضاء الدين إن كان الميت مديناً.
ولهذا لما ذكر الله الميراث قال (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)] النساء 11 [
والحاصل أن من حسن الخلق: العفو عن الناس وهذا من باب بذلك الندى، لأن بذل الندى إما إعطاء وإما إسقاط، والعفو من الإسقاط.
3 / طلاقة الوجه: وطلاقة الوجه: هو إشراقه حين مقابلة الخلق، وضدُّ ذلك عبوس الوجه. ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) (1) وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سئل عن البر فقال (وجه طلق ولسان ليّن)
وقد نظمه بعض الشعراء فقال:
بني إن البر شيء هين ... وجه طليق ولسان لين
فطلاقة الوجه وتُدخل السرور على الناس، وتجذب المودة، والمحبة، وتوجب انشراح الصدر منك وممن يقابلك.
لكن إذا كنت عبوساً، فإن الناس ينفرون منك، ولا ينشرحون بالجلوس إليك، ولا بالتحدث معك، وربما تصاب بعُقدٍ نفسيه، وربما تصاب بالمرض الخطير وهو ما يسمى بالضغط، فإن انشراح الصدر وطلاقة الوجه من أنجع العقاقير المانعة من هذا الداء ولهذا ينصح الأطباء من ابتلي بهذا الداء بأن يبتعد عما يثيره ويغضبه، لأن ذلك يزيد في مرضه، فانشراحُ الصدر، وطلاقة الوجه تقضي على هذا المرض، ويكون بذلك الإنسان محبوباً إلى الخلق كريماً عليهم.
هذه هي الأصول الثلاثة التي يدور عليها حسنُ الخلق في معاملة الخلق.
ومن علامات حسن الخلق مع الخلق: أن يكون الإنسان حسن المعاشرة مع من يعاشره من أصدقاء وأقارب , لا يضيق بهم ولا يضيق عليه , بل يدخل السرور على قلوبهم بقدر ما يمكنه في حدود شريعة الله , وهذا القيد لا بد منه , لأن من الناس من لا يسر إلا بمعصية الله – والعياذ بالله –فهذا لا ينبغي أن نوافقه عليه , لكن إدخال السرور على من يعاشرك من أهل , ــــــــــ
(1) أخرجه مسلم رقم144 كتاب البر و الصلة
وأصدقاء وأقارب في حدود الشرع من حسن الخلق. ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (خيركم لأهله , وأنا خيركم لأهلي) (1).
¥