***
صور من مكارم الأخلاق
ومن مكارم الأخلاق أن تصل من قطعك: من الأقارب ممن تجب صلتهم عليك , إذا قطعوك , فصلهم ولا تقل: من وصلني وصلته! فإن هذا ليس بصلة , كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (ليس الواصل بالمكافئ إنما الواصل من إذا قطعت رحمها وصلها) (3) فالواصل هو
ــــــــــ
(1) أخرجه البخاري 2101 وأخرجه مسلم 146 كتاب البر والصلة (2) أخرجه الترمذي 2378 قال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود 4833 وأحمد في المسند 2/ 303 ,334 وحسنه الألباني وهو في صحيح الجامع الصغير 3545 وسلسلة الأحاديث الصحيحة 927 (3) أخرجه البخاري5991
الذي إذا قطعت رحمه وصلها.
وسأل النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: يا رسول الله , إن لي أقارب أصلهم ويقطعوني , وأحسن إليهم ويسيئون إلي , وأحلم عنهم ويجهلون علي! فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملَّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك) (1). وقوله (تسفهم المل) أي: كأنما تضع التراب أو الرماد الحار في أفواههم.
وإذا كان وصل من قطعك يعد من مكارم الأخلاق فكذلك وصل من وصلك هو أيضاً من هذا الباب , لأن من وصلك وهو قريب , صار له حقان: حق القرابة , وحق المكافأة , لقول النبي عليه الصلاة والسلام (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه) (2).
وكذلك عليك أن تعطي من حرمك. أي: من منعك ولا تقل: منعني , فلا أعطيه.
وتعفو عمن ظلمك , أي من انتقصك حقك: إما بالعدوان وإما بعدم القيام بالواجب.
والظلم يدور على أمرين: اعتداء وجحود: إما أن يعتدي عليك بالضرب وأخذ المال وهتك العرض وإما أن يجحدك فيمنعك حقك.
وكمال الإنسان أن يعفو عمن ظلمه , ولكن العفو إنما يكون عند القدرة على الانتقام , فأنت تعفو مع قدرتك على الانتقام لأمور:
1 / رجاء لمغفرة الله عز وجل ورحمته فإن ممن عفا وأصلح فأجره على الله.
2 / لإصلاح الود بينك وبين صاحبك لأنك إذا قابلت إساءته بإساءة , استمرت الإساءة بينكما , وإذا قابلت إساءة بإحسان , عاد إلى الإحسان إليك وخجل.
قال تعالى (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)] فصلت 34 [.
فالعفو عند المقدرة من مكارم الأخلاق , لكن بشروط أن يكون العفو إصلاحاً , فإن تضمن العفو إساءة فإنه لا يندب إلى ذلك , لأن الله اشترط , فقال (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ)] الشورى40 [أي كان في عفوه إصلاح , أما من كان في عفوه إساءة أو كان سبباً للإساءة , فهنا نقول: لا تعف! مثل أن يعفو عن مجرم , ويكون عفوه هذا سبباً لاستمرار هذا المجرم في إجرامه فترك العفو هنا أفضل وربما يجب ترك العفو حينئذٍ.
ومن مكارم الأخلاق أيضاً بر الوالدين: وذلك لعظم حقهما. فلم يجعل الله لأحد حقاً يلي حقه وحق رسوله صلى الله عليه وسلم إلا للوالدين. فقال (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)] النساء34 [
ــــــــــ
(1) أخرجه مسلم رقم22 كتاب البر والصلة (2) أخرجه أبو داود رقم1672 والنسائي 2566 كتاب الزكاة باب 72 وهو في صحيح الجامع 6021.
وحق الرسول ضمن الأمر بعبادة الله , لأنه لا تتحقق العبادة حتى يقوم العبد بحق الرسول عليه الصلاة والسلام , بمحبته واتباع سبيله , ولهذا كان داخلاً في قوله (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)] النساء34 [وكيف يعبد الله إلا من طريق الرسول صلى الله عليه وسلم؟!
وإذا عبد الله على مقتضى شريعة الرسول صلى اله عليه وسلم , فقد أدى حقه.
ثم يلي ذلك حق الوالدين , فالوالدين تعبا على الولد , ولا سيما الأم قال الله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا)] الأحقاف15 [, وفي آية أخرى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ)] لقمان14 [. فالأم تتعب في الحمل , وعند الوضع , وبعد الوضع وترحم صبيها أشد من رحمة الوالد له , ولهذا كانت أحق الناس بحسن الصحبة والبر حتى من الأب.
¥