وكذلك من حسن خلقه صلى الله عليه وسلم، ورحمته بالخلق أن أعرابياً جاء وبال في المسجد، فزجره الناس ونهروه بشده، فنهاهم النبي عليه الصلاة والسلام فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بذَنوب من ماء فأريق على البول، ثم دعا الأعرابي فقال له (إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى والقذر إنما هي للصلاة وقراءة القرآن) (4) , أو كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ..
ــــــــــ
(1) أخرجه أبو داو رقم4682 والترمذي رقم1162 وانظر صحيح الجماع رقم1230 , 1232 (2) أخرجه مسلم رقم476 كتاب صلاة المسافرين (3) أخرجه البخاري رقم6203 ومسلم رقم30 كتاب الآداب (4) أخرجه البخاري رقم219, 220 ومسلم رقم98,99,100 كتاب الطهارة
وجه حسن الخلق في هذه القصة ظاهر , فهو لم يوبخ هذا الأعرابي ولم يأمر بضربه، بل إنه تركه حتى قضى بوله، ثم أعلمه أن المساجد لا تصلح لما فعل إنما هي للصلاة، والذكر، وقراءة القرآن.
وكذلك من حسن خلقه عليه الصلاة والسلام ورحمته بالمؤمنين،أن رجلا أتى إليه عليه الصلاة والسلام، وقال: يا رسول الله هلكت!! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (وما أهلكك) فقال الرجل: وقعت على امرأتي في رمضان – يعني جامعها في نهار رمضان – فقال له النبي عليه الصلاة والسلام (فهل تجد ما تعتق به رقبه؟) قال لا. قال (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتاليين) فقال: لا. قال (فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟) قال: لا. ثم جلس. فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، فأعطاه إياه وقال له (تصدق بهذا) فقال الرجل: على أفقر منا؟! فما بين بتيها أحوج إليه منا. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال (اذهب فأطعمه أهلك) (1).
وحسن خلق النبي عليه الصلاة والسلام في هذه القصة ظاهر بين: فإنه لم ينهر هذا الرجل، ولم يشتمه ولم يوبخه، لأنه جاء نادماً تائباً خائفاً، فرأى النبي عليه الصلاة والسلام بعلمه وحكمته أن هذا الرجل لا يستحق أن يوبخ، بل يبين له الحق الذي جاء من عند الله، ويعامل بالرفق واللين وهذا من رحمته صلى الله عليه وسلم، التي مدحه الله تعالى بها في كتابه حيث قال (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ)] آل عمران159 [, وقال تعالى (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)] التوبة 128 [.
وأما صفاته صلى الله عليه وسلم فهو المقدم في كل صفه حميدة عرفت شرعاً أو طبعاً.
ففي الكرم: كان صلى الله عليه وسلم أكرم الناس، يعطي عطاءً لا يعطيه أحد من بشر، جاءه رجل فأعطاه غنما من جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم، أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة (2).
وقال جابر بين عبدالله رضي الله عنهما ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم قط فقال (لا) (3).
ولما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين تبعه الأعراب يسألونه، فألجؤوه إلى شجرة،فخطفت رداءه وهو على راحلته فقال (ردوا علي ردائي أتخشون علي البخل؟ فوالله لو كان لي عدد هذه العِضاه نعما، لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا، ولا جبانا، ولا كذوبا) (4). وكان صلى الله عليه وسلم يؤثر على نفسه، فيعطي العطاء و يمضي عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار.
ــــــــــ
(1) أخرجه البخاري رقم1936 ومسلم رقم81,82,83,84,85,86,87كتاب الصيام (2) أخرجه مسلم رقم57,58 كتاب الفضائل (3) أخرجه مسلم رقم56 كتاب الفضائل (4) أخرجه البخاري رقم2821
أهدت امرأة إلى النبي عليه الصلاة والسلام شمله منسوجة فقالت: يا رسول الله، أكسوك هذه فأخذها النبي عليه الصلاة والسلام، محتاجا إليها، فلبسها، فرآها عليه رجل من الصحابة فقال:يا رسول الله، ما أحسن هذه! فكسنيها، فقال (نعم)، فلما قام النبي عليه الصلاة والسلام لامه أصحابه، فقالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجا إليها، ثم سألته إياها، وقد عرفت أنه لا يسأل شيئا فيمنعه، فقال: رجوت ربكتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أكفن فيها (1).
¥