والنصارى، فجمع عثمان بن عفان أعلام الصحابة وذوي الرأي منهم وأخذوا يبحثون عن علاج لهذه الفتنة، ووضع حد لهذا الاختلاف، فأجمعوا على رأيهم على نسخ مصاحف يرسل إلى كل مصر من الأمصار مصحف يكون مرجعاً للناس عند الاختلاف وموئلاً عند التنازع، وعلى إحراق كل ما عدا هذه المصاحف، وبذلك تجتمع الكلمة وتوحد الصفوف، ويستأصل دابر الخلاف.
ثم شرع عثمان في تنفيذ ما أجمعوا عليه، وندب للقيام بهذه المهمة الخطرة أربعة من أجلاء الصحابة وثقات الحفاظ،
وهم زيد بن ثابت – وهو الذي اختاره أبو بكر لجمع القرآن لما امتاز به من المناقب السابقة –
وعبد الله بن الزبير،
وسعيد بن العاص،
وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام،
وهؤلاء الثلاثة قرشيون وأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف التي عندك فأرسلتها إليهم فأخذوا في نسخها
وجاء في بعض الروايات أن الذين ندبوا لنسخ المصاحف اثنا عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار منهم أبي بن كعب.
قانون عثمان في كتابة المصحف:
كان نسخ هذه المصاحف بإشراف الخليفة عثمان، وأعلام الصحابة من المهاجرين والأنصار، وكانوا لا يكتبون في هذه المصاحف شيئاً إلا بعد أن يعرض على الصحابة جميعاً ويتحققوا أنه قرآن، وأنه لم تنسخ تلاوته، واستقر في العرضة الأخيرة، فلم يكتبوا ما نسخت تلاوته ولم يكن في العرضة الأخيرة، ولا ما كانت روايته آحاداً، ولا ما ليس بقرآن كالذي كان يكتبه بعض الصحابة مصاحفهم الخاصة شرحاً لمعنى، أو بياناً لناسخ أو منسوخ أو نحو ذلك.
وقد كتبوا مصاحف متعددة، لأن عثمان قصد ارسال ما وقع عليه اجماع الصحابة إلى الأقطار الإسلامية، وهي أيضا متعدده، وكتبوا في المصاحف متفاوتة في الحذف والإثبات، والنقص والزيادة، وغير ذلك لأنه قصد اشتمالها على الأحرف السبعة التي نزل عليها القران الكريم، وجعلت خالية من النقط والشكل تحقيقاً لهذا الغرض أيضاً.
فالكلمات التي اشتملت على أكثر من قراءة، وخلوها من النقط والشكل يجعلها محتملة لما اشتملت عليه من القراءات تكتب برسم واحد في جميع المصاحف وذلك نحو "فتبينوا " و " ننشرها " و " هيت لك " و " أف " وهكذا
وأما الكلمات التي تضمنت قراءتين أ أكثر وتجريدها من النقط والشكل لا يجعلها محتملة لما ورد فيها من القراءات لا تكتب برسم واحد في جميع المصاحف بل ترسم في بعض المصاحف برسم يدل على قراءة، وفي بعضها برسم آخر يدل على القراءة الأخري نحو: " ووصى بها إبراهيم " بالبقرة – فقد رسمت في بعض المصاحف بوواوين قبل الصاد من غير ألف بينهما، وفي بعضها بإثبات ألف بين الواوين. ونحو " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم " بآل عمران، رسم في بعض المصاحف بواو قبل السين، وفي بعضها بحذف الواو، ونحو " تجري تحتها الأنهار " في التوبة في الموضع الأخير فيها رسمت في المصحف المكي بزيادة (من) قبل تحتها وفي بقية المصاحف بحذفها وهكذا.
وإنما لم يكتبوا هذا النوع من الكلمات برسمين معاً في مصحف واحد خشية أن يتوهم أن اللفظ نزل مكررا في قراءة واحدة، وليس كذلك، بل هم قراءتان نزل اللفظ في احداهما بوجه وفي الثانية بوجه آخر من غير تكرار في واحدة منهما وكذلك لم يكتبوا هذه الكلمات برسمين احدهما في الأصل والثاني في الحاشية لئلا يتوهم ان الثاني تصحيح للاول وأن الأول خطأ على أن كتباة أحدهما في الأصل والآخر في الحاشية تحكم ترجيح بلا مرجح.
والذي دعا الصحابة إلى سلوك هذا المنهج في كتابة المصاحف أنهم تلقوا القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميع وجوه قراءاته وحروفه التي نزل بها، فكانت هذه الطريقة أدنى إلى الإحاطة بالوجوه التي عليها القرآن الكريم، فلا يقال أنهم اسقطوا شيئاً من قراءاته لأنه كلها منقولة نقلاً متواتراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن هنا يتضح جليا أن اختلاف القراء الذي أفزع حذيفة وعثمان وكان سبباً في كتابة المصاحف إنما كان في قراءات وأحرف تلقاها قراؤهم قبل العرضة الأخيرة ثم نسخت بهذه العرضة ولكن نسخها لم يبلغ هؤلاء القراء، وإلا لو كان مقصد عثمان جمع الناس على حرف واحد وإلغاء باقي الأحرف التي نزل بها القرآن ما جعل المصاحف متفاوته في الحذف والإثبات الخ
¥